صحيح أن سورية لم تحضر القمة العربية في الجزائر، وصحيح أنها هي من اتخذت موقف عدم الحضور، وتمنت قبل انعقادها أن تكون فرصة للمِّ الشمل العربي، لكن حضورها حقيقة كان هو الأقوى لأسباب عديدة، ربما لخصها وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة بكلمته في ختام أعمال قمة الجزائر، وأصاب فيها كبد الحقيقة.
فقد بيّن الوزير الجزائري أن سورية لديها من التاريخ والقدرات ما يجعلها تأتي بقيمة مضافة للعمل العربي المشترك، ومن شأن ذلك أن يعزز الحلول السلمية للنزاعات في عالمنا العربي، وأن يعزز الموقف العربي لتحقيق سلام عادل في الشرق الأوسط يشمل استرجاع الجولان المحتل.
بهذه البديهيات لخص الموقف الجزائري الأمور على سجيتها الطبيعية، وقام بتذكير من أراد لسورية عدم الحضور، بأنه منفصل عن الواقع، وربما أراد القول لأولئك إن أزمتها والحرب الإرهابية عليها من صنع يديه، ويتحمل وزرها، وهو من ساهم بحصارها كما ساهم بتأجيج الأحداث طوال سنوات الأزمة والحرب العدوانية، وكما تاجر بالدم السوري وبالاقتصاد السوري وكما استثمر بعذابات السوريين.
سورية إذاً غابت لكنها كانت حاضرة لأنها القلعة الحصينة، وحجر الأساس لتدعيم وحدة الصف العربي في مواجهة التحديات، وأنها القيمة المضافة للعمل العربي المشترك كما قال وزير خارجية الجزائر الشقيقة رغم الحرب الإرهابية التي ما زالت تتعرض لها، والتي ستبقى قادرة على المواجهة والوقوف في وجه المشاريع والمخططات الصهيو- أميركية التي تستهدف الأمة العربية برمتها، وليس سورية وحدها.
سورية رغم أنها لم تحضر لكنها أرادتها قمة (لم الشمل) ولا سيما أنها انعقدت في الجزائر وما تمثله من حضور في ضمير أبناء الأمة العربية، ومع ذلك غابت الاستراتيجيات المفترض حضورها في القمة، وثبت أن الشمل العربي ما زال مشتتاً رغم تلك الجهود المضنية التي بذلتها الجزائر، والأدوار الجليلة التي قام بها رئيسها، وغابت خطط مواجهة التحديات المستقبلية.
وسورية اختارت برغبتها عدم طرح مسألة عودتها لمقعدها في الجامعة لعل البعض يراجع سياساته، ويدرك -كما قالت الجزائر- أن حضور سورية هو القيمة المضافة التي على الجميع إدراكها، فسورية ما زالت تنظر إلى العرب كإخوة وأشقاء، رغم معاملة البعض لها بغير ذلك.
وسورية هي الدولة المؤسسة للجامعة العربية، وكانت الجزائر تطمع بحضورها لأنه فاعل، وكانت تطمح لقمة قراراتها تكون بحجم المخاطر والتحديات في العلاقات البينية العربية، أو العربية مع دول العالم، لا أن تكون مكرورة أو لا أثر تنشده الشعوب العربية منها، أو تخلو من استراتيجية عربية بآليات صحيحة تمكنها من إطفاء الحرائق بين الدول العربية ذاتها، لأن من شأن إطفاء الحرائق أن يضع حداً لتدخل الآخرين في الشؤون العربية، لكن وللمرة الواحدة والثلاثين تبقى القرارات بغير الحجم المأمول منها.
سورية العربية ما كانت يوماً ضد عمل عربي مشترك ولن تكونه يوماً، وكانت دوماً مع تحقيق ولو الحد الأدنى من التفاهم العربي العربي لمواجهة الأخطار التي تهدد الأمة في زمن لا يعترف بالضعفاء، بل بالوحدات المتماسكة على أساس تاريخي واقتصادي وجغرافي وثقافي.
سورية لم تحضر تحت عنوان: لا نريد أن نحدث شرخاً إضافياً للشروخ العربية، لكنها كانت -رغم الغياب- القيمة المضافة للعمل العربي قبل القمة وخلالها وبعدها.
عبد العزيز الشيباني