الملحق الثقافي- عبد الحميد غانم:
الفراغ من أزمات المجتمع والدول والأفراد قديماً وحديثاً.. لا ينحصر في مجال ما من مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكذلك العاطفية والثقافية أيضاً.
والفراغ يعني مساحة خالية تحتاج إلى ملء، لك عندما نقول إن هناك فراغاً ثقافياً، يعني إن هناك أزمة مجتمعية لعبت عوامل كثيرة في إنتاجها وتحتاج إلى حلول ومواجهة التحديات الماثلة وتتطلب من المجتمع إيجاد الأدوات القادرة ووضع منظومات التقدم وخلق الابتكارات والإبداعات لتأصيل الفكر.
والفراغ الثقافي يعني تجاهل الأهداف والغايات والتأصيل لوسائل وأدوات التقدم الثقافي التي نملك دون الاهتمام بالمضمون وتحريك عجلة فكرنا والارتقاء به كي يسمو بوعينا ودورنا وحياتنا.
الفراغ الثقافي يغلب الهوامش على النصوص، والسطحيات على الأصول، والفرع على الجذر، ويبعد الفرد والمجتمع عن الابتكار والإنتاج المتقدم، ويحرفه عن الغايات والأهداف، ويجعله رهينة الاستهلاك يركض نحو المصنع والجاهز، ويفرغ حياتنا وثقافتنا من الأصل والهوية الأصلية، ويجعلنا نركض بانفعالية نحو غاياتنا دون تفكير سليم، ونسعى نحو هوية مصطنعة ترضي ذاتنا رضى مؤقتاً وتشبع لذة وهمية تزيد من تخلفنا وتوسع دائرة جهلنا وتضخم الطفل المتربع بداخلنا، كي نصبح أفراداً ومجتمعاً غير مسؤول وغير واع أو مدرك بأهدافنا وهويتنا وأصالتنا، ويفرط في دائرة الفراغ الثقافي من أجل العيش والاستمتاع بلحظة حياتنا دون اعتبار لمستقبلنا يساعدنا على الابتعاد عن السقوط بوحول التخلف والجهل وامتلاك ناصية التقدم والازدهار والارتقاء نحو الأهداف المنشودة.
الفراغ الثقافي حالة مرضية بحاجة لمعالجة مثل الفراغ العاطفي الذي يسبب أحياناً امراضاً وعقدة نفسية.
وغالباً ما تستغل قوى خارجية هذا الأمر، وتحرك أدواتها لملء هذا الفراغ بما يناسب أهدافها وسياساتها الخاصة ويصبح المجتمع بيئة سهلة للسيطرة عليه ثقافياً وسياسياً واقتصادياً.
لذلك فإن الفراغ الثقافي هو عبارة عن جزء مهم من تعطيل الذات وتدميرها، وكذلك يعتبر هذ الأمر الأهم والمساعد في انتشار الجهل وعدم الضبط الاجتماعي وشيوع الجريمة المتعددة التي تكسر روح المجتمع في أي مكان.
وسيقود إلى الانفصال التدريجي من نسيج المجتمع ويؤدي إلى مخاطر جمّة وانفصالات مؤكدة، لأن الثقافة هي الحضارة الشخصية للمجتمعات على أي حال.
ولا يجب الامتناع نهائياً عن استخدام أدوات العصر التي ترتبط بها كثير من المصالح والعمل لكن لابد من الجيل والمجتمع والأفراد أن يتسلحوا بالوعي الكافي والنظر بعين ناقدة ونافذة والتحري والتدقيق فى كل ما ينشر من معلومات فى إطار وهم حرية التعبير بلا رابط أو قيود أخلاقية أو أعراف تمنع بعض المغرضين من الإضرار بقيم المجتمع.. وجود حد أدنى من الثقافة العامة ولو بمعرفة أساسيات أو حتى قشور في كل مجال تسمح على الأقل بتكوين رأي وتوجه شخصي مستقل حتى لا يكون أحدنا عائماً مع كل تيار أو اتجاه ولا يستطيع التمييز بين كل ما يكتب أو يقال.
العدد 1119 – 8-11-2022