الملحق الثقافي-غسان شمه:
عرف المهتمون بالأدب والفنون الملحمة بصيغتها الإبداعية في أعمال خالدة على مرّ الزمن الإنساني، وسطر الأدباء والفنانون الكثير من الملاحم التي بقيت تشهد على نشاط عقلي فيه الكثير من الفكر والخيال..وكما لأولئك «الخاصة» ملاحمهم كذلك للناس العاديين والبسطاء ملاحمهم التي سطروها ولكن في ملاعب الكرة، كما يرى الكاتب محمود العدوي في كتابه «احدى عشرة قدماً سوداء» فالجمهور على المدرجات يصنع ملاحمه وأبطاله من خلال الأبواق والقمصان الملونة بألوان الفريق الذي يشجعه، و في الديربي، على وجه الخصوص، يتحول الأمر إلى معركة كبرى تفرد فيها كلّ الأسلحة من أجل تحقيق النصر «إذ ليس هناك ملحمة بشرية بقدر الديربي في الحضارة الإنسانية البائسة»..
هذا الكتاب الذي يمضي به العدوي مقتفياً آثار الكاتب الكبير أدواردو غاليانو في أثره المهم «كرة القدم في الشمس والظل» يجمع بين دفتيه أوراق التاريخ وبعض أحداثه التي ترافقت مع بطولة أمم إفريقيا، فيتجاور الحدث السياسي مع الحدث الكروي في سرد يجمع بين المتعة والمعرفة والمعلومة، كما لو أنه يقرّب الأجزاء المتناثرة من بعضها في لوحة عامة ليذهب بعيداً في رصد صورة الحياة من عدة جوانب برؤية تأريخية تجمع المتضادات..
يشير العدوي إلى أن المثقفين وعلماء الأدب والتاريخ يعرفون الملحمة بأنها: «حدث كبير عظيم يقوم به شخص نبيل تفوضه القوة العليا من أجل حاجة عظيمة تهمّ عدداً كبيراً من البشر يربطهم المكان والعرق والجنس والعقيدة» ..لكن الديربي يختزل كلّ ذلك بأن تعريفه للملحمة وهي «المباراة» ذلك الحدث الكبير الذي يتنافس فيه «الفريق المحبوب العظيم ضد الفريق الخانع»..يا لها من معركة!
وكان قد لفت النظر في إهدائه «إلى الذين يلعبونها في أحلامهم دون أن يخطئوا ولو في تمريرة واحدة»..
العدد 1122 – 29-11-2022