“واشنطن بوست”: عشاء ماكرون وبايدن.. ابتسامات تخفي الكثير من الخلافات!

الثورة- ترجمة رشا غانم:
على الرّغم من أنّ العشاء الذي جمع الرّئيس الأمريكي جو بايدن ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، أظهر محبة متبادلة، لكن لا يمكن لتلك المودة والحب والابتسامات مهما بلغ حجمها، أن تُخفي عدم التّوافق الحتمي بين رؤى الرئيسين تجاه مستقبل أوروبا.
بايدن أطلنطي الهوى، وهو ملتزم بشّدة بالعلاقة بين الولايات المتحدة وأوروبا، ويدعم الناتو بقوة، فقد أظهر تودده منذ تنصيبه إلى القادة الأوروبيين، كما أنّ ليبراليته الدولية والعالمية توافقه بشكل وثيق مع قيم معظم قادة أوروبا الغربية، لاسيما في مسائل مثل مكافحة تغير المناخ، إنّه رئيس أمريكي ودود كما يمكن أن تأمل النخب الأوروبية.
ومع ذلك فهو رئيس أمريكي، وعلى هذا النحو، فهو يتصرف بشكل أساس لصالح أمريكا، حيث يضع صناع السياسة الخارجية للولايات المتحدة، بلدهم في قلب شبكة عالمية من التحالفات، والتي من شأنها أن تخدم في النهاية المصالح الأمريكية.
صحيح أنّ الولايات المتحدة ترغب بحلفاء أقوياء، لكنّها بالوقت نفسه لا تريد حلفاء مستقلين حقاً، ممن لديهم القوة والإرادة للتنافس معها في وضع الأجندة العالمية، ولطالما تمّ التسامح مع الانحرافات عن الخط الأمريكي، ولكن ليس على حساب تعريض أولوية الولايات المتحدة داخل هيكل التحالف للخطر.
وعلى النقيض من ذلك، فإنّ ماكرون فرنسي وأوروبي، وهو كالعديد من النخب الأوروبية، التي استاءت من هذه الشراكة غير المتوازنة، ففي بعض الأوقات، اقترح ماكرون أن يكون لأوروبا قوات دفاع متكاملة خاصة بها يمكنها نظرياً التصرف بشكل مستقل عن حلف الناتو الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة، ولكن مثل هذا الحكم الذاتي الاستراتيجي سيمتد إلى أمور أخرى أيضاً، ومنها علاقة أوروبا بالصين، حيث التقى ماكرون مؤخراً بالرئيس الصيني شي جين بينغ، على سبيل المثال، وواصل دعوته للمشاركة الأوروبية مع الشيوعية، متجنباً جهود الولايات المتحدة لمواءمة سياسات أوروبا مع سياسات الولايات المتحدة.
ومن المفروغ منه، أنّه لا يمكن لهذا الحديث السعيد عن القيم المشتركة والديمقراطية، بأن يوازن هذه الدائرة الدبلوماسية، إمّا أن يسود بايدن والولايات المتحدة، أو سينتصر ماكرون، وإمّا أنّ أوروبا، ستُعيد تسليح نفسها مكرهةً، لتصبح الجناح الشرقي لهيكل التحالف الأمريكي وتتماشى مع جهود الولايات المتحدة لاحتواء الصين، أولا تتماشى معها، وبالنظر إلى المسار الأخير، فإنّ المسار المعقول الوحيد لأوروبا هو التحرك نحو هدف ماكرون طويل المدى المتمثل في جعل القارة قوة رابعة في الجغرافيا السياسية العالمية.
تواجه رؤية ماكرون مقاومة داخل أوروبا، حيث تخشى دول أوروبا الشرقية روسيا أكثر مما يخشى أصدقاؤها الغربيون، كما أنهم يثقون في باريس وبرلين بقدر أقل مما تثق به واشنطن في مكافحة التهديد، وتتصور الأحزاب الشعوبية الوطنية في دول أوروبا الغربية الاتحاد الأوروبي على أنه مجموعة من الدول القومية أكثر من كونه اتحاداً فيدرالياً، وتعني هذه الحقائق أن القادة اليمينيين الذين غالباً ما تزدريهم مؤسسة واشنطن، يمكن أن يكونوا أفضل حلفاء لبايدن في توجيه أوروبا على مسار يتوافق مع المصالح الأمريكية طويلة الأجل.
هذا وسيحتاج بايدن إلى سياسة العصا والجزرة، بينما يحاول إقناع ماكرون والقادة الأوروبيين الآخرين بأدوارهم في رؤيته، إنّ الأوروبيين غاضبين، على سبيل المثال، من أحكام دعم السيارات الكهربائية في قانون الحد من التضخم، حيث تقدم إعانات كبيرة لمشتري السيارات والشاحنات الكهربائية، لكن فقط إذا تم الحصول على المكونات وتصنيعها في الولايات المتحدة أو في البلدان التي أبرمت معها اتفاقية تجارة حرة، وهذا يستثني معظم المنتجات الأوروبية، حيث تحصل على موادها من أماكن مثل الصين وتصدّر سياراتها من المصانع الأوروبية، مما يمنح بايدن نفوذاً كبيراً يمكنّه من استخدامه للحصول على تنازلات أوروبية بشأن الصين: امنح الولايات المتحدة شيئاً، وسنزيل نفوذنا على المركبات الكهربائية في المقابل.
هذا هو بالضبط نوع القوة التفاوضية غير المتكافئة التي تسعى رؤية ماكرون لأوروبا إلى كشفها، إنّ أوروبا الموحدة حقاً، بجيشها القادر، ستكون قادرة على مواجهة ضغوط الولايات المتحدة على قدم المساواة، لدى الاتحاد الأوروبي 447 مليون شخص في الدول الأعضاء، أي أكثر من 100 مليون شخص في الولايات المتحدة، ويساوي الناتج المحلي الإجمالي المقاس بتعادل القوة الشرائية تقريباً للعملاق الأمريكي، حيث لم تضطر الولايات المتحدة إلى التعامل مع قوة ديمقراطية غربية مساوية لقوتها منذ ما قبل الحرب العالمية الثانية.

من المحتمل أن يكون المدى القصير لصالح رؤية الولايات المتحدة، ولكن على المدى الطويل، فسيتم تفضيل رؤية ماكرون، قد لا ترغب الإدارات الجمهورية في عقد الصفقات الثقافية والاقتصادية اللازمة لإغراء الأوروبيين بالانضمام إلى التحالف الأمريكي العالمي المتجدد، حتّى الإدارات الديمقراطية قد لا ترغب في تزويد الشركات الأوروبية بنوع من الوصول المتميز إلى أسواق أمريكا الشمالية، والتي من المحتمل أن تكون على استعداد لتقليص التجارة مع الصين بشكل كبير، وإذا قرر الرؤساء المستقبليون أن ثمن التعاون الأوروبي سيكون باهظا للغاية، فقد يصبح الإغراء لاتحاد أقوى داخل أوروبا لا يقاوم.
في الوقت الحالي، فإنّ العلاقة بين الولايات المتحدة وأوروبا لا تزال ودّية، ولكن قريباً، سيتعين على كلا الجانبين أن يقررا، هل سيكون بينهما نهضة أم إنّها النهاية؟.

المصدر- واشنطن بوست

آخر الأخبار
سرقة 5 محولات كهربائية تتسبب بقطع التيار عن أحياء في دير الزور "دا . عش" وضرب أمننا.. التوقيت والهدف الشرع يلتقي ميقاتي: سوريا ستكون على مسافة واحدة من جميع اللبنانيين إعلاميو اللاذقية لـ"الثورة": نطمح لإعلام صادق وحر.. وأن نكون صوت المواطن من السعودية.. توزيع 700 حصة إغاثية في أم المياذن بدرعا "The Intercept": البحث في وثائق انتهاكات سجون نظام الأسد انخفاض أسعار اللحوم الحمراء في القنيطرة "UN News": سوريا.. من الظلام إلى النور كي يلتقط اقتصادنا المحاصر أنفاسه.. هل ترفع العقوبات الغربية قريباً؟ إحباط محاولة داعش تفجير مقام السيدة زينب.. مزيد من اليقظة استمرار إزالة التعديات على الأملاك العامة في دمشق القائد الشرع والسيد الشيباني يستقبلان المبعوث الخاص لسلطان سلطنة عمان مهرجان لبراعم يد شعلة درعا مهلة لتسليم السلاح في قرى اللجاة المكتب القنصلي بدرعا يستأنف تصديق الوثائق  جفاف بحيرات وآلاف الآبار العشوائية في درعا.. وفساد النظام البائد السبب "عمّرها" تزين جسر الحرية بدمشق New York Times: إيران هُزمت في سوريا "الجزيرة": نظام الأسد الفاسد.. استخدم إنتاج الكبتاجون لجمع الأموال Anti war: سوريا بحاجة للقمح والوقود.. والعقوبات عائق