الثورة- عمار النعمة:
لاشك أن السينما فن من الفنون الجميلة التي تحمل عمقا في موضوعها ورسالة إصلاحية في جوهرها، حيث ترصد الظواهر المجتمعية بسلبياتها وإيجابياتها، وتدعو إلى الحب والتسامح ونبذ الكراهية والتحلي بالحكمة.
هكذا هو عبد اللطيف عبد الحميد المخرج السينمائي السوري يؤكد ويجعلك تشعر في كل مرة يقدم بها فيلما سينمائيا بأن السينما حاضرة تنهض بالحياة من جديد وتجسدها, كيف لا وهو الذي أجمع على مسيرته السينمائية المثقفون والإعلاميون والفنانون، وإن تبادلت الآراء واختلفت لكن لايستطيع أحد إنكار تجربته.. فهو الذي يمتلك حكاية لاتنتهي من العمل والصبر والإصرار والبحث عن كل أفق ممكن للإنتاج لكي يؤمن ماتقتضيه الحياة عليه.
عبد اللطيف عبد الحميد المؤمن بالجمال الإنساني, وقف عند كلّ منعرج، ليحفّزنا على التأمّل والتبصّر في تكوين الحياة, مسيرة حافلة من العطاء والعمل والمثابرة والاجتهاد, قدم العديد من الأفلام المهمة آخرها كان فيلم (الطريق) الذي فاز بثلاث جوائز في مهرجان قرطاج السينمائي, ويشارك في الفيلم مجموعة من الفنانين السوريين من بينهم موفق الأحمد وغيث ضاهر ومأمون الخطيب ورباب مرهج وأحمد كنعان ورند عباس وتماضر غانم وماجد عيسى وراما الزين وعلاء زهر الدين وهاشم غزال وخالد رزق وغيرهم.
الفيلم السينمائي الروائي الطويل ( الطريق) الذي أخرجه عبد اللطيف عبد الحميد وتأليفه بالشراكة مع الراحل عادل محمود، يحاول التسلّل إلى دقائق عقلنا وقلوبنا, عبر مشاهد جميلة بسيطة تلونها تفاصيل حياتية دافئة, وبطريقة احترافية لسرد الأحداث نحو نهاية سعيدة, والحامل الرئيسي لأحداث (الطريق) الطفل صالح ومعاناته جراء اتهامه بالغباء من قبل جميع من حوله، ولكن جده الذي يحمل الاسم نفسه أوكل لنفسه مهمة تحويل الغباء الإدراكي الخاص للطفل إلى ذكاء معرفي وجمالي.
نعم, بسيطة هي الحكاية, عميقة هي التجربة والنتيجة معاً, فالحب عنده وميض دافىء يخترقه بهدوء فينشره علينا جمالاً واطمئنانا.
وأنت تشاهد الصورة بشكل عام يغمرك الأمل والحزن والفرح, فكثافة النص ودلالاته تدل على أن الحرب لاتلغي الذاكرة ولا الحب ولا الابتسامة ولكن تبدل لونها ومذاقها .. ليفاجئك بأنه الأكثر حيوية ومرونة ومتابعة لحيوية الفكر , فالفيلم تميز عن غيره ليس فقط على مستوى مضامينه وأبعاده الدلالية فحسب، ولكن على مستوى لغته السينمائية وهذا دليل على احترافية عالية في توظيف أدوات الخطاب السينمائي التي تمزج بشكل عفوي الأداء والحركة والموسيقى والصورة في التحام وانسجام بديعين.
شكرا للمخرج عبد اللطيف لأنه أعاد فينا الإيمان بفن السينما، وان الحنين لها قائم لا يموت مهما تكالبت الظروف, وأنها ستبقى منارة للثقافة والإبداع اللذين ينهضان بالإنسان، والأهم أنه يثبت اليوم أكثر من أي وقت مضى، نجاحه في زمن يحاول فيه أعداء التنوير والإنسانية والفرح محاربة الفن والإبداع.