قبل الدخول في موضوع (الفنون الرقمية) وهو من أكثر مواضيع فنون العصر الحديث تشابكاً وإشكالية والتباساً، يجب التفريق والتمييز بين نوعين متعارضين من الإنتاج الكمبيوتري، فالنوع الأول يساعد في عمليات الإنتاج الفني التشكيلي، والفنان يكون فيه طرفاً أساسياً في خطوات إنتاج العمل الفني، وبعبارة أوضح الفنان هنا هو الذي يرسم، لا الكمبيوتر، وهذا الفن معترف به عالمياً ويدرس كمادة في كليات الفنون الجميلة. أما النوع الثاني فالكمبيوتر يرسم فيه من دون أي تدخل من الفنان أوالإنسان العادي، وبالتالي فهو يثير صيحات رفض صارخة وعنيفة من المبدعين الفعليين، الذين يعرفون هذه الأكاذيب والألاعيب، وذلك لأنها تجعل الناس العاديين، الذين يجيدون التعامل مع المواقع والبرامج المتخصصة في هذا المجال قادرين على الحصول وبسرعة الضوء، على بورتريهات على درجة عالية جداً من الإتقان، وتحقق درجات الشبه بصورة كاملة، والمشكلة الكبرى تحصل حين تمهر بتوقيع بعض الأدعياء، الذين لا يقولون إن هذا فن ديجيتال، وينشرونها على صفحات التواصل، على أنها من رسمهم، علماً أن فناني عصر النهضة الإيطالية لم تكن لديهم القدرة على الرسم بهذا الإتقان وبهذه الحيوية.
والإنتاج الفني الكمبيوتري الآلي، الذي يلعب فيه الفنان دور المراقب، لا المشارك، يضع الناقد المعاصرالمتقصي أمام تحديات كبيرة، ولاسيما أن معظم الفنانين والنقاد، يروجون لهذه الأعمال، التي تنشر على صفحات التواصل، ولا يعرفون أنها من رسم المواقع والبرامج. (والذين يحوزون على المصداقية هم الذين يقولون إن هذا فن ديجيتال)، فالفنان هو بصمة وحالة خاصة قادرة على البقاء والاستمرار، وحين يتم استنساخ حالات مشابهة، خالية من الإحساس، تغيب النسخ ويبقى الأصل، الذي تعجز العقول الإلكترونية مجتمعة عن الإتيان ببديل أو بمثيل له، فثمة قدر هائل من المواقع والبرامج التي تساعد على تحقيق نتائج مذهلة بسرعة الشهاب، لكن المبدعين الحقيقيين يقابلون هذه المعطيات العصرية بكثير من الاستياء والاستنكار والاستهجان والرفض المطلق، لأنها بعيدة كل البعد عن جوهر الإبداع والإحساس، وهي تعتمد على الذكاء الفني المبرمج فقط، القادر على إيجاد مستخدمين وفضاءات بشكل دائم، بتنفيذ التطبيقات فقط، إلا أنها تطرح المزيد من الإشكاليات والالتباسات والتشابكات والتكهنات، وتزيد يوماً بعد آخر، من حالات الارتباط بعصر الآلة وبالمنطق العلمي التكنولوجي، وهنا أتحدث عن الإنتاج الكمبيوتري البحت، وليس عن الفنون الرقمية الخلاقة.