سؤال يتبادر سريعاً لذهن كل سوري بعد بيان وزارة الخزانة الأميركية الذي يفيد بإعطاء العالم فترة مئة وثمانين يوماً لتقديم المساعدات الإنسانية لسورية نتيجة تبعات الزلزال المدمر الذي ضرب المحافظات الشمالية وترك آثاراً كارثية في كل من محافظات حلب واللاذقية وإدلب وحماة بشكل كبير، فهل يعني هذا أن الولايات المتحدة الأميركية قد ألغت أو أوقفت العمل بقانونها المشؤوم لمدة ستة شهور التزاماً بالقانون والمعاهدات الدولية وبرتوكول جنيف لعام ١٩٧٧ وملحقاته الذي يوجب تقديم المساعدات الإنسانية الدولية للدولة التي تصاب بكارثة طبيعية ؟ وهل يعني ذلك في جانب آخر أن واشنطن تتعامل مع الحالة الإنسانية في سورية وفق ما تقتضي تلك الاتفاقيات وملحقاتها المتعارف عليها والموقع عليها من جانب العالم كله؟
قد تبدو الصورة الأولية بأن ثمة استجابة للحالة الإنسانية المزرية التي سببتها الكارثة الطبيعية الكبيرة والمتمثلة في خروج الحياة العامة عن مسارها الطبيعي وعدم القدرة للدولة على مواجهة تلك النتائج والتحديات الصعبة الناجمة عن الزلزال من دمار وتشريد وموت ووجود أشخاص تحت الأنقاض وحاجة لتقديم خدمات الإغاثة من مسكن ومأكل ورعاية صحية وغيرها من الاحتياجات الخاصة، وهو الأمر المفقود كلياً في البيان الأميركي الذي لا يبتعد عن كونه محاولة مضللة لإظهار التعاطف الإنساني المفقود في الواقع، فالقرار البيان لا يتعدى كونه إحدى الفقرات الموجودة أصلاً فيما يسمى قانون قيصر المصاغ خارج الشرعية الدولية والذي يدعي السماح بإيصال المساعدات الإنسانية، علماً أنه لم يسمح بها أصلاً، ويأتي البيان اليوم ليشكل اعترافا ً أميركياً بأن واشنطن كانت تحاصر الشعب السوري وهي تسمح اليوم برفع ذلك الحصار لمدة محدودة !!
ويبقى جوهر البيان فارغاً من أي محتوى إيجابي باعتباره ما زال يمنع التعامل مع المؤسسات الحكومية والمنظمات والهيئات والشخصيات السورية الموضوعة على جدول العقوبات ومنها على سبيل المثال المصرف المركزي والمصرف التجاري السوري وغيرها.. وهو ما يمنع إجراء تحويلات أموال المساعدات عبر تلك القنوات النظامية، فهل يعني هذا رفعاً للعقوبات؟
ويبقى السؤال الأكبر برسم قادمات الأيام في السماح لشركات الإنشاءات العامة والتعمير بالقيام بدورها في إدخال مواد البناء لإسكان أكثر من نصف مليون مواطن تهدمت منازلهم نتيجة الكارثة الزلزالية التي قاربت مصاب الناس في كل من سورية وتركيا وباعدت بين مواقف الغرب وحكوماته ما بين البلدين من الناحية الإنسانية!
وبعيداً عن هذه الرؤية التحليلية ومدى القدرة على تحقيق اختراق للحصار من خلالها، فإن المواقف العربية والصديقة شكلت رداً رافضاً لتلك الإجراءات القسرية الأميركية أحادية الجانب من خلال إرسال مساعداتها الفورية دون انتظار بيان وزارة المالية الأميركية وما يوحيه من تعاطف إعلامي مضلل، فبدأت طائرات المساعدات تحط في مطارات دمشق وحلب واللاذقية كمقدمة لمساعدات أخرى منتظرة قد تمثل خطوة فاعلة لكسر حالة الحصار الجائر التي أفقرت المواطن دون أن تكسر عزيمته، ويبدو أن التحرك الأوروبي البطيء لن يلبث أن ميسخن أمام حالة التعاطف الشعبي الذي يفرضه النشاط الكبير للجاليات العربية والسورية التي تنشط لتقديم المعونات والساعدات بما يتناسب وحجم الأضرار الكبيرة التي فاقمت أضرار الإرهاب وزادت من الأعباء نتيجة خروج الكثير من البنى التحتية ومؤسسات الرعاية الصحية وشبكات الأمان الاجتماعي خارج نطاق العمل بفعل الإرهاب وأكاذيب الغرب الأوروبي وهو ما يحتم على الأمين العام للأمم المتحدة توجيه دعوة لمجلس الأمن للانعقاد ووضع دول العالم أمام مسؤولياتها الإنسانية وفق ميثاق الأمم المتحدة بعيداً عن المواقف السياسية، وذلك بعدما أعلنت الحكومة المحافظات الأربع مناطق منكوبة تحتاج مساعدات إنسانية عاجلة تفوق مقدرات وإمكانيات الدولة.