لا يهدأ مثيرو الإحباط والتشاؤم من إبراز مواهبهم التي تبدو شديدة الفجاجة في هذه الأيام المؤلمة التي نعيشها بعد كارثة الزلزال، ولا أدري ما هي الحكمة التي ينبهرون بها عندما ينظرون بعينٍ واحدة .. أو حتى يغلقون عيونهم ويتخيلون ما يحلو لهم بعيداً عن الوقائع التي تجري على الأرض وبزخم لا يهدأ ..؟!
أجد من الغريب فعلاً – مهما تلقّيتُ من اللوم – كيف يقبل البعض على نفسه – ولاسيما بعض الناشطين على السوشيال ميديا – بعدم التوقف عن كيل الاتهامات والحديث بسخرية عن إجراءات الجهات الحكومية والنيل منها ووصمها بأنها لم تتصرف كما يجب تجاه الكارثة، ومنفصلة عن الواقع، على الرغم من أن تلك الجهات أبدت الكثير من الغيرة والاندفاع الكبير والتصرف بكفاءة عالية فاقت كل التوقعات.
بداية كل الشركات الإنشائية الحكومية عطّلت أعمالها واتجهت بآلياتها الثقيلة إلى المواقع المنكوبة لتنقذ ما يمكن إنقاذه من الضحايا، ورافقها مئات العمال من هذه الشركات ليساهموا بالإغاثة والإنقاذ، وقد ساهموا وأبلوا بلاءً كبيراً بإنقاذ الكثيرين.
طواقم الإسعاف والإطفاء والدفاع المدني وعناصر من الجيش وكلها جهات حكومية، اندفعوا إلى مواقع الكارثة أيضاً ولعبوا دوراً كبيراً بعمليات الإنقاذ.
أدوار عديدة لعبتها الجهات الحكومية بمواجهة الكارثة كان لها كبير الأثر بالتخفيف من حدتها رغم هول ما حصل وعلى حين غرّة، فالناس نيام .. والأزمات تطوقنا من كل الاتجاهات، فلا الآليات على أهبّة الاستعداد، ولا الوقود كاف لتحريكها، ولا قطع الغيار متوفرة لصيانتها، الحصار مُطبق والعقوبات فعلت فعلها بتغييب الكثير من النواقص، ومع هذا كانت الهبّة قوية جداً، استنفار حكومي كامل على مختلف الأصعدة، إنقاذياً وخدمياً ودبلوماسياً، تهيئة سريعة لمراكز الإيواء، إخلاء المساكن الخطيرة، تشكيل مئات لجان الكشف على الوضع الإنشائي للأبنية المتضررة، دبلوماسياً كان الأداء صارخاً بحجم الكارثة، وتمكنت الخارجية بكفاءة الأداء من أن تدير وجه العالم كله نحو سورية مَن ساعدَ ومَن أحجم، لتعلن وزارة النقل الجاهزية الكاملة لاستقبال المساعدات الإغاثية، وكان الأداء مدهشاً بهذا المجال بعد أن اعترتنا المخاوف من أن تكون المطارات غير جاهزة لاستقبال الطائرات بكثافة في ضوء الحصار والعقوبات وبالتالي نقص الكثير من الوسائل والتجهيزات، إضافة إلى العربدة الصهيونية وجرائم الاستهداف التي نالت من مطاري دمشق وحلب، ومع هذا كله وبهدوءٍ شبه صامت أبدت وزارة النقل ولا تزال أعلى درجات الكفاءة بالتعاطي مع الحدث، فاستقبلت مئات الطائرات وخدّمتها وأفرغت حمولاتها بديناميكية عالية، كما استقبلت سفناً إغاثية ومئات الشاحنات عن المعابر التي جاءت من الدول الشقيقة محملة بأطنان المساعدات الإغاثية، والتي تولّت أمرها وزارة الإدارة المحلية عبر لجنة الإغاثة وكان الأداء ولا يزال عالياً بإيصال هذه المساعدات إلى المنكوبين، بعد أن بادرت وزارة النفط أيضاً بخلق برنامج مختلف لتوزيع المشتقات النفطية بما يضمن تزويد مختلف الآليات العاملة لخدمة المناطق المنكوبة قبل كل شيء.
وبالأمس كان مجلس الوزراء واضحاً جداً، وملتصقاً بالواقع جداً عندما أكد أن الدولة تدرس كل الخيارات للتعويض على المتضررين من الزلزال والاستجابة بأفضل ما يمكن مع تداعيات الكارثة، وكلّف وزارة الأشغال بتأمين مقرات إقامة وسكن بديل ومؤقت بسرعة لمن انهارت منازلهم، كما أقرّ المجلس خطة عمل وطنية وفق آجالٍ قصيرة ومتوسطة وطويلة للتعامل مع تداعيات وآثار الزلزال.
وهناك الكثير الكثير من التفاصيل الأخرى التي تشير إلى أداء حكومي مختلف، ومع كل هذا لا يزال هناك من ينال من هذا الأداء .. !
كان حريّاً بنا جميعاً أن نتلمّس ما يجري فعلياً ونحترمه ونراه بعينين، فليس من اللائق .. ولا من الصحيح أن نبقى مستسهلين النظر بعينٍ واحدة .. فالحق حق .. والباطل هو الباطل.