لا نعرف ماهي الأسباب الحقيقية الكامنة وراء عدم العمل على إحداث توازن منطقي ومقبول بين الدخل وتكاليف المعيشة،ولا ندري إن كان الأمر يتعلق بعدم توفر الأموال الكفيلة بالوصول إلى ذلك التوازن.. أم أن الأموال متوفرة ولكنها تدخل ضمن سياسة (حبس السيولة) لكبح جماح التضخم؟ أم أننا نشهد بذلك محاولة جادة من المالية العامة للتخلص أو للتخفيف على الأقل من عجز الموازنة الذي يُعتبر الوقود الأقوى لمحركات التضخم؟ ثم لا ندري بصراحة إن كانت المؤسسات المعنية تسعى فعلياً لخفض سعر الصرف أملاً بزيادة القدرة الشرائية لليرة كما تقول، أم تريد فتح شهية المستثمرين مثلاً، وفي حال نجحت عملية استقطابهم فإن حالة التضخم تتراجع تلقائياً.
المشكلة أن كل هذه الإجراءات تبدو غير فعّالة عندنا، فلا نتائج تظهر حتى الآن سوى ارتفاع الأسعار وتراجع صاعق للقوة الشرائية ما يعني أن محرك التضخم لا يتوقف، وهو إلى ازدياد مستمر.
نحن أمام حالة استثنائية ناجمة عن واقعناالممتد لأثنتي عشرة سنة فهو واقع بات مزمناً تكدّست عليه وحوله وقائع وحالات غير طبيعية من القتل والخراب والدمار وأشنع حالات الإرهاب إلى ضغوط الحصار والعقوبات وأبشع أساليب المقاطعة وصولاً إلى الاختناق بكورونا وارتعاش الأرض بزلزالها، فهذه الحال قد لا يحتاج علاجها إلى كل الإجراءات التي ذكرناها، ربما كنا بحاجة إلى إجراءات مختلفة استثنائية تحاكي ما هو عليه الوضع من استثناء.
أيضاً هناك تفاصيل بعض القضايا التي لا لزوم لمعرفتها،كقضية استيراد البصل، رغم أن هذا الاستيراد أقل من طبيعي فالبصل مثله مثل أي مادة، هي قابلة للاستيراد عندما يقل عرضها كثيراً وتقترب من دائرة الفقدان.
بالمقابل نجد أن الكثير من الناس لم يعودوا يتفهّمون وليسوا مستعدين لأن يتفهموا بعض الإجراءات العادية كإجراء رفع سعر البنزين أوكتان 95 الذي جرى مؤخراً تحديد سعره بمبلغ / 6600 / ليرة لليتر، ويحسبون للحكومة كم دَخَلَ إلى الخزينة من أموال هائلة جراء ذلك في حين ربما لا يكون قد أحدث أي إضافات إلى الخزينة لأن تحريك سعر هذا الصنف من البنزين يتم وفق الأسعار العالمية وسعر الصرف حسبما أوضحت الحكومة كيفية تسعيره منذ عامين، فعندما يرتفع تكون تكاليفه قد ارتفعت بما يوازي هذا الارتفاع، وكذلك الأمر عندما ينخفض.
هكذا نفتقد اصطفاف مؤسساتناإلى جانبنا لعدم تفهمنا بعض الظروف أحياناً، وهكذا تفتقد هذه المؤسسات اصطفافنا بجانبها لعدم وضعنا بصورة ما يحصل حول أمور تنعكس علينا بكثير من المتاعب فيما تضعنا بصورة بعض القضايا الصغيرة حتى للسخرية.
السابق