الثورة – يمن سليمان عباس:
لم تكن سورية في يوم من الأيام إلا منارة وبوابة العلم والمعرفة.. السوريون أبدعوا الحرف واللون وزرعوا وأطعموا العالم كله..
ألم يكونوا يقولون: حوران إهراءات روما أي خزانات قمحها وبلغة هذه الأيام صوامعها…
اليوم السبت الأول من نيسان ثمة من عمل على تشويه معناه وسرقة التقويم السوري الأقدم في العالم ونشر أنه يوم للكذب.. فماذا تقول الحقيقة..
في متابعات كثيرة من القراءات التاريخية الموثقة يكون اليوم الأول من نيسان عيد رأس السنة السورية 6773 لهذا العام وهو أقدم عيد في تاريخ البشرية، ومن المفيد التذكير بما نقله الكاتب السوري حسن م يوسف عن المؤرخ أحمد يوسف داوود يقول يوسف:
(يتوقف الدكتور أحمد داوود في كتابه “تاريخ سورية الحضاري القديم” عند طقوس الخصب
في سورية القديمة ويكشف مدى تداخلها المنطقي مع دورة الطبيعة. ففي نفس الموعد من كل عام تنزل الآلهة عشتار إلى العالم السفلي لإنقاذ الإله تموز، وتنجح في ذلك ليعم الخير وعندما يقوم تموز من الموت ترتدي عشتار في هذه المناسبة ثوباً موشى “زلف” يزدان بكل أنواع الزهر والثمر…الخ كما تتجدد الخصوبة في الطبيعة.
كانت احتفالات رأس السنة السورية تبدأ في الحادي والعشرين من آذار. الأيام الأربعة الأولى منها تخصص لتقديم المسرحيات ورواية الأساطير. بعدها تبدأ الاحتفالات الدينية لتبلغ ذروتها في عيد رأس السنة السوري في الأول من نيسان، ثم تستمر حتى العاشر منه. وخلال كل هذه المدة كان من المحرم على الناس تأنيب الأطفال ومعاقبة العبيد أو القيام بالأعمال اليومية أو انعقاد المحاكم.
ما أدهشني هو أن أسماء الشهور السورية لا تزال على حالها منذ القدم وهي متصلة بدورة الطبيعة فآذار الذي تبدأ فيه الاحتفالات هو شهر الزهر، نيسان- الربيع، أيار -النور، حزيران- حصاد الحنطة، تموز –فقدان المُخَصِّب حبيب عشتار، أيلول “أولولو” شهر الولولة على “تموز” لزوال خصبه…الخ.
والحق أن الاحتفال بعيد رأس السنة السورية ظل مستمراً في بلادنا عبر آلاف السنين، تحت اسم عيد الرابع، إلى أن حجبته الضرورات الأمنية قبل سنوات، ففي الرابع من نيسان حسب التقويم الشرقي الذي يصادف السابع عشر من نيسان حسب التقويم الغربي،كانت تقام الأفراح وتعقد الدبكات، في مختلف أنحاء الساحل السوري.
صحيح أن أباطرة روما عندما حكموا هذه الأرض حاولوا فرض أسمائهم على تقويمنا مثل يوليوس وأغسطس، لكن بصمتهم زالت بزوالهم.
يرى صديقي سيزيف السوري أن هذا العيد قد أخذ منا ثلاث مرات، الأولى عند فرض التقويم اليولياني، والثانية عند فرض التقويم القمري، والثالثة عندما أمر “شارل” التاسع ملك فرنسا قبل أربعمئة وخمسين عاماً باعتماد التقويم الغريغوري ونقل رأس السنة من أول نيسان إلى أول كانون الثاني.
فقد أطلق على رأس السنة السورية اسم April fool أي أحمق نيسان، وهي عبارة كانت تطلق على أي شخص ينسى أن رأس السنة قد تم نقله من واحد نيسان إلى 1 كانون الثاني. وما يحز في النفس هو أننا، لغفلتنا، جارينا خصومنا في الاستهزاء بتراثنا فاعتمدنا الأول من نيسان عيداً للكذب، جاهلين أنه عيدنا الذي ضيعه جهلنا!)
إذن إنه شهر الربيع والخصب شهر أساطير الجمال التي ما زالت تعطي العالم معنى فريداً..
يحق لنا أن نقول كل عام وأنتم بخير إنه رأس السنة السورية أقدم تقويم معروف حتى الآن.. لا شهر الكذب كما أراد مزيفو التاريخ أن يروجوا.