يمن سليمان عباس
كثيرة الكتب التي تناولت سير المفكرين بمختلف أنواع الفكر ومنه الفلسفي ومن منا لا يتذكر قصة الفلسفة لمؤلفها ول ديورانت وما قدمه من خلالها ..
من جديد يمكن الحديث عن عمل موسوعي شبيه بها ولكنه بقلم عربي ..
كتاب إعلام الفلسفة الغربية الصادر حديثاً عن الهيئة العامة للكتاب بدمشق لمؤلفه د. صالح شقير عمل موسوعي مهم جداً يقدم إضاءات على الفلسفة الغربية من خلال إعلامه
يرى المؤلف أن الفلسفة تسعى إلى فهم الواقع وتفسيره وتغييره وأن ذات الفلسفة هو البحث عن الحقيقة لامتلاكها والتفلسف هو السير في طريق الفلسفة ودأب على الطريق المفتوح وهذا السير الموصول بتجربة الفكر المبدع قدر الإنسان في الزمان ومن المحال أن يحبس الجهد الفلسفي في نطاق معرفة أخيرة قطعية.
لقد اطلعت على تجارب كثيرين من الفلاسفة فاستوقفتني عبارة وردت على لسان الفيلسوف الإنجليزي فرنسيس بيكون (لكي نعرف الطبيعة يتعين علينا الخضوع لها) وقد عنى بذلك أننا لا نفهم الطبيعة إلا إذا دنونا منها واكتشفنا من خلالها القوانين التي تحكم مسارها.
يتناول هذا الكتاب بالدرس والتحليل إعلام الفلسفة الغربية في العصر الحديث الذين أحدثوا تغيراً حاسماً في التاريخ البشري على المستوى الفلسفي والسياسي والعلمي……. الخ جعلت المفكرين يعتقدون أنه يمكن تفسير النظام الأساسي للكون عن طريق الجهود العلمية وأنه يمكن السيطرة على كل مسارات الطبيعة والكشف عن أسرارها.
مما لا ريب فيه أن الفلسفة اليونانية كان لها أثر عميق في المتفلسفين في العصور الوسطى الأوروبية وكان لأرسطو بوجه خاص أثرعظيم في الغرب وذلك منذ أن اعتنقت الكنيسة آراءه وحولتها إلى فلسفة إلهية للقرون الوسطى فكانت تعد كل مخالف لها كافراً.
لقد أضحى العقل الأوروبي خاضعاً لسلطتين كبيرتين هما :سلطة دينية تتمثل في الكنيسة وسلطة عقلية تتمثل في سيطرة الآراء الأرسطية على العقول.
واستناداً إلى ما سبق فقد فرض رجال الدين رقابتهم على الحركات العلمية فحرموا ما شاءوا وطاردوا مفكرين وعذبوا آخرين…… لكن العقل الأوروبي الجريء بدأ يزيح عن كاهله هذا الكابوس الكنسي ويتحرر من قيود هاتين السلطتين منادياً بالصلاح الديني والأخذ بوسائل التقدم العلمي ونهض وخطا خطوات كبيرة في ميادين الأدب والفن والعلم.
كانت العصور الوسطى تفرض على ساكنيها التسليم بكل شيء ولم يكن ذلك الشك هداماً وكفى، لم يكن يريد أن يقوض البناء ثم يهمل أنقاضه مركومة بغير تشييد كلا بل أراد أن يهدم باطلاً ليقيم صرح الحق قوياً متيناً.. ذلك ما قصدت إليه الفلسفة في فجر العصر الحديث ولكن أين عساها أن تجد اللبنات التي تقيم بها ذاك الحصن الجديد؟؟؟؟؟
أتلتمس ذلك في فلسفة العصور الوسطى؟؟؟؟
لقد مزجت بينهما جميعاً وكان لها من هذا المزيج ما تريد.. فقد كان القدماء ينشدون الحكمة الفلسفية وكان أهل العصور الوسطى يبحثون عن الحكمة اللاهوتية فجاءت الفلسفة الحديثة واعترفت بالمطلبين ثم ألفت بينهما واتخذت منهما غرضاً واحداً فكان لابد لها أن تأخذ بالحياتين الأولى والآخرة في وقت معاً.
بذلك الشك حطمت الفلسفة الحديثة كل ما نزل عند القدماء منزلة اليقين وعلى هذا الأساس الجديد من توحيد المادة والروح في الإنسان واختصاصه بالبحث أولاً ثم الانتقال منه إلى العالم الخارجي قام البناء الجديد.