فؤاد مسعد:
الأسلوب نفسه في كل مرة، الاستنزاف الأعمى لمشاعر المشاهد عبر الإمعان في الشر إلى الأقصى، لتتصاعد الأحداث وتذهب إلى أبعد مدى يمكن أن يصله الكاتب، ولتكتمل أركان المسرحية التي تُحاك على المشاهد يظهر محراك الشر واضحاً أمامه «لا يُخبئ نفسه» في الوقت الذي يبدو فيه ضمن العمل كحمامة سلام في بيئة يُفترض أنها شامية، والمفارقة أن شخصية الخير ظاهرة أيضاً «كعين الشمس»، فيتم تقديم الظالم والمظلوم بطريقة أحادية مباشرة فجة، الشر مُطلق والخير مُطلق «على طريقة بعض الأفلام الهندية»، الأمر الذي عفّت عنه الكثير من الأعمال الدرامية منذ سنوات احتراماً لعقل المشاهد، ولكن نجد من يتبناه بين وقت وآخر لسهولة استجرار العاطفة من خلاله.
ولا يقف الأمر هنا وإنما يتعداه إلى مناحٍ أخرى بما فيها كمية «الصدف» التي يتم الزج بها بهدف تأجيج فتيل نار الأحداث، وهو ما يراه بعض صانعو هذه الأعمال على أنه «تشويق»، وما يثير العجب طريقة فهمهم لفكرة تصاعد الصراع الدرامي التي يقزمونها بفعل «الصراخ والصوت العالي»، ولدى تناول طريقة إخراج المعارك نجد أن هناك فارقاً شاسعاً بين مسلسل وآخر، فبينما تظهر مشغولة بحرفية وإتقان في عمل تبدو في آخر أشبه بأفلام الكرتون، ويضاف إلى ذلك كله إدراج الكثير من المشاهد تحت تصنيف «ثرثرة نسوان»، والحرص دائماً على إظهار صورة القبضاي «السوبرمان»، ومما يتكرر عادة في هذه الأعمال أيضاً الملابس والشوارب والشبرية والألفاظ والمشاجرات التي لا بد أن تحصل في الحارة، لتوضع تحت بند «الأكشن».
إن كانت «الدراما» لا تستقيم إلا من خلال «الصراع» فلا بد أن يأتي حقيقياً وقائماً على أسس ومرتكزات متينة عبر بناء درامي مُحكم تُنسج فيه الأحداث المشوقة بعيداً عن «المباشرة الفجة» واستجداء العاطفة، لأنه ليس صعباً على أحد اتخام شخصية بكمية كبيرة من الشر القاسي، ولكن الصعوبة تكمن في كيفية حياكتها وإظهار تلوناتها وموارباتها ومبرراتها وعوالمها الداخلية ضمن سياق أحداث تحمل التشويق من كينونتها أصلاً من دون اصطناع، وضمن هذا الإطار لا بد من التأكيد أن هناك أعمالاً خرجت عن هذا السائد وسعت إلى خلع العباءة التقليدية التي وسمت تلك الأعمال محاولة الذهاب باتجاه فضاءات أوسع لكسر الصورة النمطية عن المسلسل الشامي.
