الثورة – ناصر منذر:
الأمم المتحدة تؤكد أن سوريا بحاجة اليوم إلى تضامن عالمي، أكثر من أي وقت مضى، بهدف مساعدتها على التعافي من آثار المرحلة السابقة، بينما جددت الولايات المتحدة اعترافها بمعاناة الشعب السوري الذي عانى لعقود من نظام الأسد الاستبدادي، وفق تأكيد الخارجية الأميركية. وهنا يقفز إلى الذهن سؤال مشروع حول الدور الأميركي الذي يزيد من معاناة السوريين، وأيضاً لماذا لا تبادر الولايات المتحدة للاستجابة للدعوة الأممية في العمل على مساعدة سوريا في هذه المرحلة، علماً أنها تملك المفتاح الرئيسي لرفع المعاناة عن كاهل السوريين، والمتمثل برفع العقوبات غير المبررة، أو بالحد الأدنى تخفيفها بالقدر الذي يسمح للدول الأخرى، مد يد العون والمساهمة في تعافي سوريا.ومن بوابة الإشادة بتشكيل الحكومة السورية الجديدة، أعلنت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية تامي بروس اعتراف بلادها بمعاناة السوريين، وقالت في تعليق نشرته السفارة الأمريكية في دمشق على موقعها في منصة إكس: “نقر بمعاناة الشعب السوري الذي عانى لعقود من نظام الأسد الاستبدادي.وأضافت: نأمل أن يمثل تشكيل الحكومة الانتقالية خطوة إيجابيّة نحو سوريا شاملة وتمثيلية.وهذه هي المرة الثانية التي تقر فيها بروس بمعاناة الشعب السوري، ولكن من دون أن تخوض في الأسباب الحقيقية التي تزيد من تلك المعاناة، مع إدراكها بأن العقوبات الجائرة التي تفرضها بلادها، تشكل السبب الرئيسي في ذلك، وعندما سئلت في بداية الشهر الحالي حول إمكانية تخفيف العقوبات على إثر تشكيل الحكومة السورية، ردت بالقول: “لم يتغير وضع العقوبات، ولا توجد حالياً خطط لتغييره”. لكنها استدركت بالقول، بأن بلادها تقيم الوضع لتحديد السياسة المستقبلية تجاه دمشق. ما يعني أن تخفيف العقوبات مرهون بتنفيذ دمشق جملة شروط، كانت قد طلبتها الإدارة الأميركية من قبل، من بينها “قمع الإرهاب، واستبعاد المقاتلين الأجانب من أي أدوار رسمية، ومنع إيران ووكلائها من استغلال الأراضي السورية، بالإضافة إلى اتخاذ خطوات ذات معنى لتدمير الأسلحة الكيميائية التي كان يملكها نظام الأسد، والمساعدة في استعادة المواطنين الأميركيين وغيرهم من المواطنين الذين اختفوا في سوريا، وضمان أمن وحريات الأقليات الدينية والعرقية في سوريا”.ومع الإدراك، بأن سوريا تعمل كل ما بوسعها للقضاء على الإرهاب، إلى جانب الحفاظ على الأقليات وحرياتهم، وقد تمكنت إلى حد كبير من كف يد إيران وميليشياتها على الأراضي السورية، وأيضاً مدت يدها نحو التعاون مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، فإن الشروط الأميركية غير مبررة في المطلق، ولاسيما وأن سبب فرض تلك العقوبات قد انتهى بزوال النظام المخلوع.ولطالما ادعت أميركا أن الهدف من وراء عقوباتها الظالمة هو مصلحة المواطن السوري، فهل استمرار تلك العقوبات ، تخدم تلك المصلحة؟، أليس المتضرر الأول والأخير منها، ومهما كان شكلها ونوعها هو المواطن، كما أن “قيصر” ألا يمثل خرقاً لكل القوانين الإنسانية باعتباره يزيد من معاناة الشعب السوري، إذاً فالهدف ليس مصلحة المواطن، وإنما سلسلة ضغوط بهدف الابتزاز السياسي.وبينما تواصل الولايات المتحدة فرض عقوباتها، أكدت نائبة مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا، نجاة رشدي أن السوريين بحاجة إلى التضامن العالمي معهم أكثر من أي وقت مضى، مطالبة المجتمع الدولي بالتحرك لمساعدتهم في التعافي من آثار المرحلة السابقة.وقالت رشدي في منشور على منصة “إكس” رداً على إعلان تعليق المساعدات الغذائية الأميركية لسوريا: إن هذا الموضوع يهدد بتداعيات مدمرة، مشددة على أن حياة السوريين على المحك.وحذرت رشدي من أن تعليق هذه المساعدات سيؤدي إلى تعميق المعاناة وتأجيج عدم الاستقرار، وأضافت: يجب على المجتمع الدولي أن يتصرف الآن، وخصوصاً أن ما يقارب المليون ونصف المليون إنسان في مخيمات الشمال السوري ما زالوا يتعافون من أكثر من عقد من الصراع وعدم الاستقرار المستمر، ويواجهون الآن خطر فقدان المساعدات الغذائية الأساسية.إذاً، فمسألة رفع العقوبات بشكل كامل عن الشعب السوري، أو الانخراط بشكل حقيقي وجاد في جهود دولية صادقة، لإقناع أميركا والدول المعنية بالعقوبات على سوريا، تعد المقياس الحقيقي لمصداقية الدول التي تعلن تضامنها مع الشعب السوري، إذ تشكل تلك العقوبات، العقبة الأساسية أمام تعافي سوريا بشكل كامل، وعلى مختلف الصعد، السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية وغيرها.