الثورة – ديب علي حسن:
لم تكن البندقية وحدها السلاح الأمضى الذي يواجه العدو الصهيوني، بل الكلمة المبدعة شعراً وفكراً وفناً وأغنية، وتوجيه البوصلة لتكون الوجهة تراب فلسطين.
وفي قائمة من قاد النضال الفكري والثقافي، وكان صوته أعلى من دوي مدافع العدوان، من هؤلاء (كمال ناصر، غسان كنفاني، ناجي العلي، معين بسيسو.. الخ)، وآخرون كثيرون لكن الثلاثة (ناصر، كنفاني، العلي)، كان العدو يتربص بهم ويراهم أهدافاً عسكرية لابد من القضاء عليها لأنه يخاف الكلمة ترهبه المواقف.
حركة الحياة
يقول سهيل سليمان في كتابه كمال ناصر الشاعر والأديب:
ولد كمال بطرس ناصر يوم العاشر من نيسان عام ١٩٢٤ في غزة، حيث كانت العائلة بحكم عمل الأب، وترى في موضع آخر أنه مولود عام ١٩٣٥، إلا أننا أكثر ميلاً للأخذ بالتاريخ الأول، كان كمال أصغر أخوته “سامي الين الوريس وديع سلوى”.
محيطه وواقعه
كما يقول سليمان: لم يعانق عامة الناس إلا وقد غدا كسائر القرويين يخرج إلى البساتين، وسط هذه الأجواء اتسع صدره بعبق الندى، وتحلت بألوان الأزاهير رؤاه، ومرح في كروم العنب والتين والزيتون فتجلت الناظرية ربة الشعر في ثوب زفاف الزمن، وأجمل مما حلمت به عروس شاعرة في ذلك القطاف أبصر امرأة تجني وتبكي، ما أثار تساؤله، فأحزنه أنه قد يكون موسم القطاف الأخير، فالصهاينة يتدفقون ويطغون ودار الدم في عروقه دورات حثيثة والأطفال الساذجون، مثل كمال ظن أن أباه الحاكم أو جده رجل الدين يستطيعان أن يدفعا المكروه عن الأرض.
هذا الشعب مأساتي
من خلال فهم كمال ناصر انطلق إلى الجامعة الأميركية في بيروت ليحصد ويزرع الثورة، ففيها تخرج قافلا إلى بير زيت ليبدأ نضاله المنظم من على أرض الصراع وهو الأشد فعالية، مقتفياً أثر كل المثقفين من أبناء قريته.
ممالا شك في أن الحالة السياسية للبلاد هي التي لعبت دورها في حياة كمال الشاعر والسياسي في أن يكونا وجهين متكاملين لا ينفصلان بالنسبة له على الأقل.
وفي الجامعة الأميركية، دارساً وشاعراً، كان يوحي للناس بالشاعر الفلسطيني الذي سبقه إليها على مقاعد الدراسة ذاتها، إبراهيم طوقان شاعر الجمال والثورة، لا بل شهدت هذه الآونة غلياناً جماهيرياً فلسطينياً ضد الانتداب البريطاني وسياسته الصهيونية مما حرّض كمال ناصر على تنظيم المظاهرات وإلقاء الخطابات والتخطيط للاضرابات فقامت إدارة الجامعة بفصله فصلاً دراسياً واحداً.
هكذا قتلوه .. وهكذا صلبوه
يوم العاشر من نيسان ١٩٤٨ نفذت عصابات الأرغون – الصهيونية بقيادة مناحم مجزرة دير ياسين الرهيبة
وعند الساعة الأولى من فجر العاشر من نيسان ۱۹۷۳، وبعد خمس وعشرين سنة من كانت عصابات صهيونية أخرى قد دخلت لبنان بطرق مختلفة، تقتل وتدمر.. وأمام المبنى الكبير وسط نفر من الحراس الضحايا بأسلحة رمزية يقومون على حراسة ثلاثة من كبار قادة المقاومة، النجار وكمال عدوان وكمال ناصر هؤلاء الحراس جردوا من أسلحتهم.
وتسلقت مجموعة إرهابيين المبنى إلى الدور الرابع أطلقوا الرصاص على فيه لإسكات لسان الحق إلى الأبد.
وهكذا سقط الطفل الكبير فأذهل الناس جميعا. كان يعرف أن مصيره بين الحراب، فمنذ البداية قال:
ولدت أحمل جثماني على كتفي. ولدت وأسفي
لا شأن لي بمجيئي أو بميلادي
أنا ضحية تاريخي وأصفادي
اللعنة الكبرى تطاردني
أعلم أنني انتهيت
لم يبق من أحبه
ومن يحبني
وانطفأ المصباح
لم يبق فيه زيت
فانتهيت
وانتصبت جريمتي تصلبني
كمال ناصر.. أيقونة النضال والشعر والقدرة على أن يكون البطل الذي لا يمكن أن تهزمه مواقف عابرة.
عاش حياة النضال وعرف مرارة السجون ولكنه ظل محلقاً عالياً إلى أن ارتقى بجناحين من نور من أجل معراج القدس.