الجلاء وتحولات التشكيل

الثورة – أديب مخزوم:
في عودة تاريخية إلى السنوات التي أعقبت استقلال سورية في 17 نيسان 1946 نجد أن المدرسة الفنية الانطباعية في التشكيل السوري المعاصر ، كانت بتلك المرحلة في أوج نضجها ، وبالتالي كانت الفرصة مهيأة لولادة كل المدارس الفنية، التي جاءت بعدها، في نهاية الأربعينيات ومطلع الخمسينيات.
وتحولات فنون ما بعد الانطباعية السورية جاءت كنتيجة طبيعية وحتمية لمظاهر الانفتاح الثقافي، حيث سعت معظم التجارب المحلية، في المرحلة التي تلت الاستقلال، لترويج الفن كفعل ثقافي يطمح إلى استعادة خصوصيات المناخ اللوني المحلي، والمظاهر التراثية والذاكرة الطفولية والأمكنة المعرضة للغياب، و إيقاعات العشق اللوني المتداخل مع نسيج الذاكرة والقلب، ولقد تواصلت مظاهر الدمج الحيوي بين معطيات الفنون الشرقية، ومعطيات الفنون الغربية الحديثة ، حتى إن التجارب التشكيلية السورية الحديثة، التي جنح أصحابها في الخمسينيات والستينيات، نحو مظاهر التجميع في دمج الشكل الشرقي ( الزخرفي أو الحروفي أو الواقعي ) بمزيد من اللمسات اللونية العفوية، هدفت لإعطاء البنى التراثية المزيد من الإضاءات الحديثة، في محاولة لتقديم الإشارات التراثية، من خلال الانفتاح على توجهات وتداخلات ثقافة فنون العصر .
فالانطباعية السورية ( وأبرز روادها: ميشيل كرشة ونصير شورى وناظم الجعفري وغيرهم ) هدفت قبل الاستقلال لإيجاد معادلات جديدة لرسم لوحة المنظر والمدن القديمة والوجوه وغيرها، من خلال رصد تبدلات الضوء واللون على الموضوع المطروح، والتركيز في لوحات الطبيعة على ألوان الريف وحقوله وبساتينه وحكاياته الحميمية ، المترسخة في ذاكرة العين ومخزونها البصري .
والحياة الجديدة التي أعقبت الاستقلال، ساهمت في زيادة حالات الانفتاح على المغامرة والتجريب والتشكيل البدائي والطفولي، وتطعيمه بالإشارات الحضارية، والاندماج بنبض وجذور التراث المحلي، والسعي إلى إعادة اكتشاف الصلات الجوهرية التي تربط بين الحاضر والماضي ، وتدعيم قدرة العطاء، وإغناء الذات وتأصيل عناصر التراث المحلي، من خلال التأكيد على اللون الشرقي ، والجذور الحضارية ، كمنطق لتأكيد الخصوصية ، والانفلات بالتالي من هيمنة الثقافة الفنية الغربية، على توجهات الفن السوري والعربي المعاصر.
هكذا بدأت التيارات الفنية الحديثة تفرض نفسها في المحترفات الفنية التي لم تكن تتعدى بيوت الفنانين ، وأخذت الأعمال الفنية الأكثر حداثة تظهر في معارض الفنانين ، حيث عرض أدهم إسماعيل لوحته الحمال عام  1951التي شكلت ثورة على التقاليد الفنية التي كانت سائدة، وعرض فاتح المدرس عام 1952 لوحته كفر جنة، وتتالت التجارب الفنية الحديثة والمعاصرة في لوحات كبار فناني الحداثة التعبيرية والتجريدية ( وفي مقدمتهم محمود حماد رائد التجريد الحروفي في التشكيل السوري المعاصر ) .
هذا على صعيد اللغة التشكيلية الخالصة التي ظهرت في مرآة الاستقلال ، وكان من الطبيعي أن لا تأتي اللغة النقدية والتحليلية الموازية لتلك الأعمال الحديثة إلا متأخرة لبعدها عن الخطاب الجماهيري العام .‏
وثمة مسافة شاسعة جداً بين رؤية اللون والتكوين والخط والتقنية والأسلوب من وجهة نظر تشكيلية بحتة ، وبين رؤية الرمز أو الدلالة التي تبرزها اللوحة المرتبطة بأيام وفصول الكفاح الوطني من وجهة نظر ادبية بحتة .‏ فمجمل الرؤى التشكيلية التقريرية، التي تناولت موضوع الجلاء في الفن السوري، بحثت عن الحرائق وبؤر النار والأبنية المدمرة، بالإضافة إلى معان من نوع آخر لها علاقة بالأمل، وبفرحة الاستقلال وطرد الغزاة، وقدرة الإنسان السوري على إثبات حقه في الوجود ،والرغبة في الاستشهاد وغيرها من العبارات التي تتجاهل الجانب الفني والإبداعي في أعمال هذا الفنان أو ذاك.
هكذا كشف الفنان السوري في تجاربه المتنوعة عن استعداد للتعامل مع المعطيات والمنطلقات التي مهدت للاستقلال الوطني ، ضمن صياغة فنية متطورة تحمل المفاهيم الفنية الحديثة، حيث يمكننا الانتباه إلى إيحاءات كثيرة وتبدلات في الإيقاعات بين عمل وآخر. وعبر استخدام الكثير من التقنيات ، وهذا أعطى الفنان القدرة على التنويع وإبراز جماليات متبدلة، ، وبعد نضوج الأفكار والخبرة التقنية جاءت الانعطافة الكبرى نحو معالجة الموضوع الوطني بصياغة فنية حديثة ، دامجة بين الإيقاع العفوي والهندسي والغنائي ، وهذا الارتباط بالمفاهيم الجمالية الحديثة، جعل العمل الفني يتملص شيئاً فشيئاً من ثقل الامتداد التسجيلي، ويدخلنا مباشرة إلى عالم اللوحة والمنحوتة الأكثر عمقاً وسبراً للأغوار الإنسانية العميقة، المعبّرة عن إيقاعية تصاعدية وتراجعية، لها دلالاتها الانفعالية المفتوحة أيضاً على مخزون ما ترسب في الذاكرة الطفولية ،من مشاهدات و إيقاعات مرتبطة بالعناصر المحلية وبالمناخ اللوني البيئوي الغني بالألوان الحية والمتراقصة والساحرة .

آخر الأخبار
باراك يبحث الملف السوري مع  ترامب وروبيو  مبعوث ترامب يرحب بفتوى منع الثأر في سوريا   إغلاق مخيم الركبان... نهاية مأساة إنسانية وبداية لمرحلة جديدة  أهالي درعا يستقبلون رئيس الجمهورية بالورود والترحيب السيد الرئيس أحمد الشرع يؤدي صلاة عيد الأضحى المبارك في قصر الشعب بدمشق بحضورٍ شعبيٍّ واسعٍ الرئيس الشرع يتبادل تهاني عيد الأضحى المبارك مع عدد من الأهالي والمسؤولين في قصر الشعب بدمشق 40 بالمئة نسبة تخزين سدود اللاذقية.. تراجع كبير في المخصص للري.. وبرك مائية إسعافية عيد الأضحى في سوريا.. لم شمل الروح بعد سنوات الحرمان الدفاع المدني السوري.. استجابة شاملة لسلامة الأهالي خلال العيد دمشق منفتحة على التعاون مع "الطاقة الذرية" والوكالة مستعدة لتعاون نووي سلمي حركة تسوق نشطة في أسواق السويداء وانخفاض بأسعار السلع معوقات تواجه الواقع التربوي والتعليمي في السلمية وريفها افتتاح مخبز الكرامة 2 باللاذقية بطاقة إنتاجية تصل لعشرة أطنان يومياً قوانين التغيير.. هل تعزز جودة الحياة بالرضا والاستقرار..؟ المنتجات منتهية الصلاحية تحت المجهر... والمطالبة برقابة صارمة على الواردات الصين تدخل الاستثمار الصناعي في سوريا عبر عدرا وحسياء منغصات تعكر فرحة الأطفال والأهل بالعيد تسويق 564 طن قمح في درعا أردوغان: ستنعم سوريا بالسلام الدائم بدعم من الدول الشقيقة تعزيز معرفة ومهارات ٤٠٠ جامعي بالأمن السيبراني