دمشق والرياض.. التوجه شرقاً
افتتاحية الثورة -بقلم رئيس التحرير أحمد حمادة
المفترض والصحيح والصحي والسليم في العلاقة بين دمشق والرياض، أن تكون رافعة للعمل العربي المشترك، والتضامن العربي، والتعاون العربي، لما تمثلانه من ثقل عربي وإقليمي من جهة، ولحجم الفائدة على المنطقة برمتها من جهة أخرى، والتي تعني باختصار “تصفيراً” لمشاكلها، التي اخترعتها واشنطن وأدواتها على مدى عقود، والمفترض بهذه الحالة أن تكون العلاقة “طبيعية” ولا يعكر صفوها من يخرّب المنطقة ويدمّرها.
من هنا كانت الكلمات المعدودة التالية التي لخّص فيها السيد الرئيس بشار الأسد -خلال استقباله الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله وزير الخارجية السعودي- الرؤية السورية لهذه العلاقة: “العلاقات السليمة بين سورية والمملكة هي الحالة الطبيعية التي يجب أن تكون، وهذه العلاقات لا تشكل مصلحة للبلدين فقط، وإنما تعكس مصلحة عربية وإقليمية أيضاً”.
الرياض بدورها، تدرك هذه الحقيقة، التي حاولت واشنطن وأدواتها في الغرب على مدى سنوات تغييبها، بل ونسف القاعدة التي ترتكز عليها، وتدرك أيضاً، أن مفتاح الأمر اليوم هو بقدرة سورية وشعبها على تجاوز آثار الحرب، وهو ما أكده الأمير الضيف، مستطرداً تأكيده ثقة بلاده بهذه القدرة السورية، وبوقوف المملكة إلى جانب دمشق ودعمها لتحقيق هذه الغاية، لأنها في النهاية تعني الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وأمنها واستقرارها وتهيئة البيئة المناسبة لطي صفحة الحرب والأزمة، للانطلاق – في نهاية المطاف- نحو ممارسة الدور الطبيعي لها.
المحور الثاني الذي يمكن الوقوف عنده هو الرؤية السورية لما يجري اليوم في المنطقة والعالم من تطورات، فالسياسات المنفتحة والواقعية التي تنتهجها السعودية تصب في مصلحة الدول العربية والمنطقة.. هكذا يرى الرئيس الأسد، لأن التغيرات التي يشهدها العالم تجعل من التعاون العربي أكثر ضرورة في هذه المرحلة لاستثمارها لمصلحة العرب جميعهم.
ولندقق أكثر في تفاصيل هذه التطورات، لنجد أن عودة العلاقات السعودية – الإيرانية، وبناء جدران الثقة بينهما، بعد قطيعة كبرى لعب على أوتارها الكيان الإسرائيلي ومن خلفه واشنطن لزمن طويل، ستؤدي إلى الاستقرار في أكثر من دولة، بدءاً من اليمن، وليس انتهاء بسورية ولبنان والعراق، ولاسيما إن نجحت الرياض وطهران بتجاوز العقبات والعراقيل والعصي التي ستضعها واشنطن وحكومة الاحتلال الإسرائيلي لاحقاً في عجلاتها.
وأما على الصعيد الدولي، فإن تراجع الهيمنة الأميركية وأحاديتها القطبية، وبروز الصين وروسيا، والتوجه لترسيخ نظام دولي جديد، من شأنه خدمة القضايا العربية، والاستقرار في المنطقة العربية بشكل كامل.. من هنا رأينا أن سورية أعلنت منذ زمن بعيد إستراتيجيتها بالتوجه “شرقاً”، والانضمام لمبادرة الصين “الحزام والطريق” لأنها تعي جيداً أن طريق الحرير الجديد سيمثل شريان العالم في القرن الحادي والعشرين، وستكون سورية واسطة عقده، نظراً لأن موقعها الجغرافي يتوسط قارات ثلاثاً، فضلاً عن أن تلك المبادرة ستعيد إحياء صورة العالم القديم الذي كانت الصين وريده وسورية قلبه، مع كل ما لهما من مكانة حضارية ودور إنساني بارز آنذاك واليوم.
وتدرك الرياض أيضاً أنها يجب أن تلتقط أوتار اللحظة، وتستفيد من مزايا هذه التطورات الدولية، وتنضم إلى العالم الجديد الذي يحقق لها مصالحها، هذا العالم الآخر، المزدهر، المستقر، المتعاون، الخالي من الحروب والأزمات، والمرسخ للأمن والأمان، والبعيد عن إثارة الفتن والكوارث، والذي يمهد لمرحلة احترام الشعوب وحقوقها، واستقلال الدول وسيادتها، والحفاظ على كرامة الإنسان وآدميته، بعيداً عن كل سياسات واشنطن وأتباعها التي أوجعت الجميع، وهو ما لمسه العالم مؤخراً بتوجه الرياض نحو الشرق أيضاً، وانفتاحها الكبير على روسيا والصين، اللتين تسعيان لتشبيك العالم كله على مستوى الاقتصاد والتوازنات “الجيوسياسية”، انطلاقاً من المصلحة أولاً، وتعميم ثقافة الاستقرار والسلم والأمن الدوليين ثانياً.
من هنا كانت البداية التي ستتعمق مع مزيد من اللقاءات القادمة في الرياض ودمشق وعواصم عربية أخرى، والتي ستعيد تعبيد طرق البناء والخير والازدهار للمنطقة كلها.