باريس- صلاح سرميني:
هناك ثلاثة أنواعٍ من الترجمات الخاصة بالكتب السينمائية، ورُبما أكثر دعونا نتأمل:
1ـ مترجمٌ يُتقن لغةً أجنبية، ولكنه لا يعمل في الشأن السينمائي، ويترجم كتاباً عن السينما، سوف تكون ترجمته في أفضل الحالات مثل «مترجم مُحلّف» يترجم شهاداتٍ، ووثائق.
2ـ مترجمٌ يتقن لغةً أجنبيةً، ويعمل في الشأن السينمائي، وفي الغالب ناقد، وفي هذه الحالة يختار كتاباً، ويترجمه بدقةٍ أكثر من المترجم الذي لا يعمل في الشأن السينمائي، ولكن مشكلة هذا المترجم، وعلى الرغم من علاقته الوطيدة مع السينما بصفته ناقد، لا يعرف موضوع الكتاب جيداً، ولا يشاهد الأفلام المشار إليها في الكتاب، وهذا ينطبق على الكتب التي ترجمها نقاد الجيل الأول، حيث لم تكن الأفلام متوفرة للمُشاهدة كما حال اليوم، وكمثال على هذا النوع من الترجمات:» ناقدٌ يترجم كتاباً عن الواقعية الإيطالية ولم يشاهد منها أكثر من فيلميّن أو ثلاثة، ناقدٌ يترجم كتاباً عن السينما الهندية ولم يشاهد منها أكثر من عشرة أفلام، ناقدٌ يترجم كتاباً عن سينما أميركا اللاتينية ولم يشاهد منها أكثر من ثلاثة أفلام، ناقدٌ يترجم كتاباً عن السينما التجريبية، ولم يشاهد منها ولا فيلم واحد».
كما نلاحظ في تلك الكتب المُترجمة، بأنّ المترجم عمد إلى ترجمة عناوين الأفلام، وتعريب أسماء المخرجين، بحيث أصبح من المستحيل، بالنسبة لقارئ اليوم، العثور على هذه الأفلام من أجل مشاهدتها، ماعدا تلك الأفلام المشهورة، والتي يمكن معرفة عناوينها الأصلية.
3-النوع الثالث من الترجمة، وهي نادرةٌ جداً في المشهد النقدي العربي، «الترجمة التخصصية»، وفي هذه الحالة، لا ينتمي المترجم إلى النوع الأول والثاني من المترجمين، هو في الأساس ناقدٌ /خبيرٌ/ مُنظّرٌ سينمائي يهتمّ بمواضيع محددة في السينما «السينما التجريبية مثلاً»، وهذا لا يعني بأنه يجهل، أو يتجاهل المواضيع الأخرى الكثيرة المُتبقية، هو لا يترجم مقالة «دراسة» كتاباً من أجل الترجمة، ولكن من أجل دعم مشروعه النقدي الموّجه نحو التعريف، والترويج للسينما التجريبية، وبالمُقابل إثراء كتاباته الشخصية عنها، بحيث تتحول الترجمة بالنسبة له إلى حالةٍ من التأليف بدون إخفاء النصّ المترجم، او الاستيلاء على حقوق مؤلفه.
يجسّد النصّ المترجم كلّ ما يريد الناقد المتخصص كتابته تأليفاً، ولا يمتلك الوقت من أجل تأليفه، وهنا تصبح الترجمة، والتأليف في حالة تقاطع، وتشابك، حيث تتداخل أحياناً خلاصات القراءات المستمرة للنصوص «المُترجمة» في سطور النصوص «المُؤلفة»، كما تتوضح التدخلات «التأليفية» في النصوص «المُترجمة».
هذه الحالة التخصصية في الكتابة، والترجمة تفرض على الناقد مشاهدة كلّ الأفلام، والتعرّف على كلّ الأسماء، والعودة إلى كلّ الإحالات المُشار إليها في النصّ الأصلي.
الترجمة هنا، هي أكثر من تحويل نصٍّ من لغةٍ إلى أخرى، هي شكلٌ من أشكال العملية النقدية، أو الممارسة النقدية، أو على الأقلّ جزءٌ منها، وخطوات مستمرة في مشروعٍ نقديّ/حياتيّ.