يمن سليمان عباس:
كيف يحفر الزمن مجراه ويعبر بنا نحو النهايات المحتومة؟، وماذا عن العمر الذي يصل بنا إلى مرحلة قد نتمنى الرحيل فيها؟، ألم يقل الشاعر زهير بن أبي سلمى:»سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانين حولاً لا أبا لك يسأم»، وكثيرون غيره عبروا عما في نفوسهم من تجارب الحياة وتركوا كتباً في ذلك بعضها مذكرات وبعضها وصايا.
الكاتب السوري عبد اللطيف أرناؤوط ترك كتاباً صغير الحجم تحت عنوان: أوراق الخريف الشاحبة، ماذا بعد الثمانين من العمر، عبر فيه عن التصالح مع رحلة العمر التي بلغت مداها يقول أرناؤوط:
«ماذا بعد الثمانين من العمر؟»، سؤال لا يراود ذهن الشباب وهو مأخوذ بعزة الشباب وحرارته واندفاعه إلى تحقيق رغباته ومطامحه بل ربما لا يشعر ابن الستين بالقلق الذي يشعر به ابن الثمانين وهو يواجه المصير وقد كادت ساعة عمره الرملية أن تستنفد حباتها فلم تعد أعياد الميلاد مناسبة عامرة للفرح لديه ومن قبل كان يرى فيها تجديدا للحياة أما ابن الثمانين فمهما ملك من إرادة الحياة يخالجه شعور عارم بأن هذه الأيام المعدودة من عمره تستنفد بالوهن والتلاشي وقد ضاعت فسحة الأمل وأشرف البنيان على الانهيار بين كف مرتعشة وعصا تسند ما تداعى، ووظائف عضوية تتخلى بالتدريج عن دورها.
يشعر ابن الثمانين في أعماقه أنه سيودع العالم قريباً فيكثر في حديثه عن ذكر الموت وقد يدعي أنه كان مفكراً أو عاملاً، وأنه أقوى من الموت ولا يعيره اهتماماً، وأنه يتحداه وهو يعلم سلفاً أن المعركة معه خاسرة مثل (دونكيشوت) حين حارب برمحه طواحين الهواء وهو يدرك أن رمحه إذا علق بأحد أسنانها سترمحه دورتها فيتوسد الثرى ويصر على ممارسة دوره بل يزداد تشبثاً وتمسكاً بالحياة وندر من هؤلاء من يسلم الراية إلا إذا انتزعت منه قسراً أو بضرب من الملاينة والمداراة أحياناً أو التسليم بأن يده الرعشة عجزت من حملها في معركة الحياة ومن الخير له أن يتخلى عنها لمن هم أكثر فتوة وقدرة منه على حملها لكي لا يحبط أو يفضح عجزه وهو يكابر عبثاً فقد آن للفارس أن يترجل وللمحارب أن يستريح.
لن يتوقف الكون، وبكثير من الأريحية والرضى عن الذات والواقعية يقول:
«وكثيراً ما كنت اتساءل عما يطلبه هؤلاء من الحياة بعد الثمانين فإن سنوات المخاض العسيرة لن تضيف إلى إنجازهم ما حققوه في سنوات العمر الطويلة وإن لم يحققوا في حياتهم في باكورة الشباب والنشاط ما يرضى طموحهم فلن تسمح لهم أيامهم المعدودة أن يتلافوا ما فات فلنرح ولنسترح بعد الثمانين من العمر، ولنطرد وهماً يرافقنا في آخر العمر وهو أن الكواكب ستغور والكون سيختل توازنه إن غادرنا هذا العالم فالكون سيستمر مثلما غادره قبلنا كثيرون وما الإنسان سوى نقطة من بحر هذا المحيط لن يضيره جفافها تحت شمس الفناء».
إنها الحياة دوارة لا تقف عند أحد أبداً، وجمالها أن نترك الأثر الخالد في العلم أو الإبداع أو القيم وليس غير ذلك ثمة شيء يستحق عناء التعب مع أن رحلة الحياة متعبة ولكنها شائقة وكلنا يتوق لو تمتد به رحلة العمر طويلاً ولكن مع الصحة والعافية.
أما عبد اللطيف أرناؤوط فقد امتد به العمر إلى التسعين وترك آثاراً أدبية مهمة، عبد اللطيف أرناؤوط (1931 – 2022) هو ناقد وكاتب ومترجم ولد في دمشق، عام 1931 في دمشق درس وأكمل فيها دراسته الثانوية والجامعية، حاصل على ليسانس آداب من قسم اللغة العربية، عمل بعدها في وزارة التربية، واتحاد الكتاب العرب أميناً لتحرير مجلة الموقف الأدبي، ومجلة التراث العربي، أهتم بالأدب العربي والبلقاني والألباني، كتب كتابات وأشعار باللغة الألبانية، وترجم منها إلى اللغة العربية.
من مؤلفاته:
قيثارة الزمن، ديوان شعري، 1975.
ما بعد الجبال والبحار، 1980.
لهيب الشوق، 1985.
قصائد إلى المرأة، 1990.
المدخنة والغيوم، 1980.
العصافير وقوس قزح، 1985.
الفراشة، 1986.
جنرال الجيش الميت، 1981.
الحصن، 1986.
حصان طروادة يلقى حتفه، 1987.
نفحات من الشعر النسائي الألباني.