محمـد علوش – كاتب ومحلل سياسي فلسطيني:
عودة ميمونة لسورية إلى مكانتها المستحقة ومقعدها الطبيعي في صدارة الجغرافيا السياسية العربية، حيث عادت عزيزة إلى موقعها الأصيل في جامعة الدول العربية، وهذا الحدث الهام والكبير في طبيعته وفي موعده بما تشهده المنطقة من أحداث متسارعة، بعد استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، ودخول المنطقة بموجة مصالحات جاءت نتاج الدبلوماسية الصينية الواثقة والناجحة، يمثل انتصاراً لسورية التي صمدت في وجه التحديات وواجهت مشاريع التقسيم والإلحاق والتبعية التي مثلتها الحرب الجائرة التي فرضت عليها.
سورية بعد عشرية الحرب المدمرة التي تعرضت لها، والتي صمدت في مواجهتها، تعود من جديد إلى الحاضنة العربية الموحدة، وتحضر قمة جدة، وهذا يشير بشكل دقيق إلى أن التسوية السياسية للأزمة السورية دخلت في مسارها الصحيح، عبر الحوار المباشر بين الأشقاء العرب والحكومة السورية، حيث كان للقاءات السورية العربية أهمية بالغة، توجت بمشاركة الرئيس الدكتور بشار الأسد في القمة العربية الـ32 في جدة وما حملته كلمته المهمة من مواقف ورسائل ودلالات.
وهناك رمزية لعودة سورية لعضوية جامعة الدول العربية بعد سنوات طويلة من تعطيل التمثيل السوري في الجامعة، وهنا نشير أن وحدة الدول العربية وتحسينها الذاتي قد وصلت إلى مستوى جديد، وستجلب أيضًا المزيد من الأمل في السلام في المنطقة ككل، في إطار إنهاء وتصفير المشكلات التي خلقت أزمات متتالية، حتى ننهي مقولة أن هذه المنطقة التي شهدت اضطرابات وصراعات وحروب هي (برميل بارود العالم).
تعتبر تجربة سورية خلال السنوات الاثني عشر عاماً الماضية صعبة للغاية، وهي سنوات صعبة أيضاً على منطقة ودول الشرق الأوسط، التي عانت من الحروب والانقسامات الاجتماعية والصراعات المتكررة، مما جعل الرغبة في الوحدة والسلام والتنمية أقوى من أي وقت مضى، حيث أكد القرار السيادي السوري قناعته بالحوار والاحترام المتبادل والمصالح المشتركة للدول العربية، وهو ما يعبر عن التطلعات المشتركة لدول المنطقة.
وبغض النظر عن أية وجهات نظر أخرى، فإن عودة سورية إلى الجامعة العربية أمر هام ومفصل تاريخي بعد هذا الغياب القسري، وهذا ما يسعد الجميع، باستثناء البعض، حيث أعربت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة عن “انتقاداتهما” لعودة سورية إلى أسرتها العربية بلا خجل، معلنتين أن سورية لا ينبغي أن يُعاد قبولها، لكن يبدو أن نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط يضعف، ويبدو أن واشنطن غير راضية عن موجة المصالحات التي تشهدها المنطقة، وتشعرها بالحرج الشديد، فالمآسي التي حدثت في سورية والشرق الأوسط في السنوات الأخيرة ترجع إلى حد كبير إلى سياسة واشنطن.
الدول العربية لم تخسر شيئاً بسبب سياستها الخارجية المستقلة، بل فازت بالحوار والمصالحة والاحترام، فكل مراحل الأزمة السورية أثبتت أن الأزمة لا يمكن حلها عسكرياً، وليس هناك رابحون أو خاسرون، ويمكن النظر إلى هذا على أنه رد لبق على ممارسات واشنطن السابقة في إثارة الاقتتال الإقليمي والاستخدام العشوائي للقوة، وهذا التصور شائع بشكل متزايد في المجتمع الدولي اليوم، حيث ذكرت بعض وسائل الإعلام الأمريكية أن قرار الجامعة العربية بإعادة قبول سورية دليل على مقاومة مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، مشيرة إلى أن دول الشرق الأوسط تبني سياسة مستقلة عن الغرب.
ستشكل عودة سورية إلى جامعة الدول العربية بداية جيدة لحل سياسي للأزمة السورية، ولكن لا تزال هناك العديد من العقبات أمامها، مثل العقوبات أحادية الجانب غير القانونية التي فرضتها الولايات المتحدة على سورية، والتي خلقت العديد من الصعوبات لمزيد من التعاون في المنطقة، وعلينا أن ندعم بشدة وحدة الدول العربية وتحسينها، خاصة في ظل أجواء القمة العربية المنعقدة في جدة وما يمكن أن تتمخض عنه القمة في هذا الإطار، وأن نشجع العمل مع المجتمع الدولي وفي مقدمته الصين التي مهدت لهذه العلاقات الإيجابية ولهذا الاستقرار المنشود.