يتحدّث أهل السياحة عن خاصيّة لا يحبونها في قطاعهم عادةً، وهي أنه أول من يمرض وآخر من يتعافى إزاء أي عارض يعتري بيئة عملهم.
إلا أن اللافت لمن يتابع مشهد تعافي بلدنا من الأزمة التي ألمت به، على خلفية حرب استهدفته على مدى اثني عشر عاماً، أن القطاع السياحي سبق معظم القطاعات الأخرى ليكون أول المتعافين، وهذه سابقة.. إن أغبطت “أهل القطاع”، لن تكون مدعاة لاسترخاء كل من يتتبع ملامح ترميم ما أتت عليه الحرب، من منظور إستراتيجي يشمل كافة بنى الاقتصاد الكلّي، فمستقبل البلاد لا يمكن أن يقوم على السياحة وحدها، بل على تفاعل سلّة متكاملة من المكونات التنموية، من زراعة وصناعة واستثمار و خدمات.. هذه طبيعة الأشياء ومسلّمات لا تحتاج ولا تتقبل الكثير من الاجتهادات والتنظير.
مثل هذا المشهد يستفز الكثير من التساؤلات والمقارنات، فلماذا السياحة.. ولماذا لا تكون الزراعة مثلاً القطاع المواكب للسياحة في رحلة التعافي ؟
على الرغم من حساسية القطاع الزراعي على مستوى الأمن الغذائي أولاً والتصدير ثانياً و تعزيز بيئة التصنيع الزراعي ثالثاً.. كما أن القطاع السياحي لم يحظ إلا بحصة قليلة من قرارات ومساعي ومحاولات الإنعاش التي خصصتها الحكومة للقطاع الزراعي !!
ولا نتحدث هنا عما يتعلق بمستلزمات الإنتاج وحسب، بل بالتنظيم وإعادة بناء القطاع وترتيب البيت الداخلي له كما يقال.
ومثل الزراعة يبدو قطاع التصنيع الزراعي الذي يدور في حلقة مفرغة لجهة محاولات تنظيمه ومأسسته، وهذا ما ليس بحاجة إلى دليل، إذ يكفي أن نعلم أن معظم منتجات التصنيع الزراعي تقوم على جهود الريفيين “التصنيع البيتي” وباقي الإنتاج الزراعي يتلقفه التجار لتصديره خاماً، وهذه ظاهرة خطيرة تفوت آلاف فرص العمل والاستثمار والقيم المضافة، وتبعثر الميزات والمقومات التي هي من نتاج الطبيعة السورية السخية والغنيّة.
وفي سياق المشهد العام لا يمكن تجاهل حالة الارتباك التي تعتري قطاع الاستثمار بكل مجالاته، فقد بقي خجولاً وبعيداً عن لائحة الأولويات التي نصّ عليها القانون الجديد، ولا نظن أن ترخيص مصنع للبسكويت هنا وآخر للشوكولا هناك هي الغاية المنتظرة من عمل هيئة متكاملة انشغلت بوسائل التواصل الاجتماعي أكثر بكثير من مهمتها في توطين استثمارات تبدو هامة لدرجة “مصيرية”، و الترويج أو الاجتهاد لتحضير البيئة المناسبة لاستثمارات أخرى يفترض أنها قادمة.
لسنا متخصصين.. لكننا نظن أن هناك الكثير مما يجب فعله في كافة القطاعات، على مستوى إعادة ترتيب أوراق كل قطاع، و استدراك كافة متعلقات تطويره تنظيمياً وتذليل العقبات التي من شأنها تنفير ولفظ كل محاولات إعادة النهوض.
لعل هذا ما فعله أهل السياحة.. أعادوا تأهيل مؤسسات التأهيل والتدريب والإشراف وكافة مفاصل العمل المؤثرة باتجاه الاستدراك السريع للقطاع المخرب، والأهم الترويج والحالة الإعلامية المواكبة لتفاصيل العمل..
لم تعد الشكوى من الأزمة مبررة، فبدل سرد المعوقات والمنغصات، على المسؤولين عن كل قطاع الحديث عما فعلوه لتذليل المعوقات ومعالجة المنغصات..
حينها سنكون أمام حصيلة إنجاز في كافة القطاعات وليس في القطاع السياحي وحسب..
فالتعافي يجب أن يكون شاملاً متكاملاً، لا مجتزأ.. لأن التكامل مطلوب وإلا ستؤثر القطاعات المتأخرة والمرتبكة على القطاعات الأخرى التي تحقق خطوات تعافي حقيقي.
نهى علي