في عصر السرعة الرقمية، يمكن لقصة واحدة أن تشعل وسائل التواصل الاجتماعي في غضون دقائق، حتى وإن كانت ملفقة بالكامل، هذا ما حدث يوم السبت الماضي، حين غمرت المنصات الإلكترونية منشورات تدعي أن حوت أوركا هاجم وقتل مدربة الحيتان “جيسيكا رادكليف” خلال عرض مباشر، لم يتوقف الأمر عند الادعاء نفسه، بل أضافت بعض الحسابات تفاصيل مثيرة، مؤكدين أن الحادثة صُوّرت وتم تداول لقطاتها على نطاق واسع.
لكن الواقع كان مختلفاً تماماً.. فمع أولى عمليات التحقق التي أجرتها منصات تدقيق الحقائق، تبيّن أن جيسيكا رادكليف ليست سوى شخصية خيالية لا وجود لها في أي سجلات عمل أو أرشيف إعلامي، لم تصدر أي بيانات من الشرطة أو من الحديقة البحرية المزعومة، ولم يُعثر على أي مقطع موثوق يدعم هذه المزاعم.
ومع ذلك، استمرت القصة في الانتشار، مستفيدة من الميل البشري لمشاركة الأخبار المثيرة قبل التأكد من صحتها.
توضح هذه الحادثة كيف يمكن للإشاعة الرقمية أن تتغذى على عناصر الصدمة والدراما، وأن تتحول إلى حقيقة زائفة في أذهان كثيرين قبل أن يتاح الوقت لدحضها، كما تكشف عن هشاشة الذاكرة الرقمية، حيث يمكن لاسم وهمي وصورة مجهولة أن تكتسب حياة كاملة على الشبكة، مدعومة بإشارات إعجاب ومشاركات وتعليقات.
تكمن الخطورة في أن هذه البيئة الرقمية تسمح للمعلومات الزائفة بالنمو والانتشار أسرع من الحقائق، ما يؤدي إلى إضعاف الثقة بالمصادر الموثوقة وخلق “ذاكرة جماعية مشوهة” إذ تبقى الصور والمشاهد المزعومة عالقة حتى بعد دحضها.
تلعب الخوارزميات دوراً محورياً في تضخيم هذه الأخبار، إذ تُظهر للمستخدم المحتوى الأكثر تفاعلاً، لا الأكثر دقة.. وبذلك، يتحول التفاعل إلى معيار الحقيقة، وتتسع دائرة التضليل، خاصة حين يقترن بالإثارة العاطفية.
مواجهة هذه الظاهرة تتطلب وعياً رقمياً قائماً على التحقق من المصادر، والتريث قبل النشر، والقدرة على التمييز بين الحقائق والروايات المصنوعة، ففي عالم رقمي سريع، تصبح مهارة الشك الإيجابي خط الدفاع الأول ضد الأكاذيب المصممة بدقة على مقاس فضولنا.