لا شمولية لعمل أو أحد في فترات الحروب والأزمات وإنما المتاح من جبهات العمل هو الاختصاص الوحيد ضمن كل المشهد، كَبُرَ أم صغر، توسع أم تضيق، ناهيك طبعاً عن أن التكليف يكون سيد الموقف ضمن الاختصاص أو خارجه.
لعل ما سبق ينطبق بشكل كامل وحرفيّ على المصارف العامة تحديداً وبالدرجة الأولى، حيث لم يعد من اختصاص لها، ولم يعد من توجه محدد لها، فالكل نظرياً يعطي القروض السكنية، والكل يعطي القروض الشخصية والكل يموّل التنموي والاستثماري والكل يغطي كل شيء، وبالتالي أين الاختصاص؟
وعلى المقلب المقابل، فالكل غير قادر على تنفيذ القروض التي يتغنّى بها والكل غير قادر على الخروج من مأزق الضمانات، وكذلك حال بيع العقارات المتملّكة من المصارف ضماناً لقروض لا تعادل ربع عُشرها، فالأغلبية لوّثتها الأخبار والأقاويل بشحم وهُباب الإفادة من البيع، والتربّح من الاتفاق مع أصحاب الأموال على بيعهم أملاك المتعثر مقابل عمولة مجزية -حسب الأقاويل- وعليه، أين الشمولية في العمل المصرفي إن لم يكن من قدرة على تنفيذ إلا عمليات البيع المذكورة؟!
من المؤكد أن الاستراتيجية الوحيدة التي تقوم حالياً في العمل المصرفي هي التكليف وكذلك المتاح، في ظل ضيق واضح في جبهات العمل وعدم رغبة من الجهات المشرفة على مدى سنوات في إفساح المجال للمصارف باستثمار آلاف ملياراتها المكدسة في خزائنها وحساباتها، في وقت يمكن فيه لبعض أو نصف هذه الأموال تغيير المشهد الاقتصادي الإنتاجي بشكل واضح جليّ ولو على مستوى الإنتاج البسيط المعيشي اليومي.
ليس تمويل قرض هنا وكفالة قرض هناك بعمل مصرفي يستوجب التغنّي فيه، بل هو في أفضل حالاته أسوأ أنواع الاستثمار، بل شبيه بما تصفه أدبيات المصارف بإيداع الأموال لدى البنوك وتقاضي الفوائد عليها باعتباره الاستثمار الأسوأ، بل لعل طلب المصارف السماح لها بتوسعة حجم أعمالها أكثر إلحاحاً وضرورة من كل ما تقوم به على اعتبار أغلبية ما تتغنى به من أرباح غير حقيقية، بالنظر إلى أن الإيداع يعني الفائدة، والفائدة تعني مالاً مدفوعاّ للمودع، والمال يتأتّى من المصارف نفسها التي تنحصر مصادر إيراداتها بما يأتيها من فوائد ناجمة عن التموّل والتسليف، وباعتبار ما من تسليف حقيقي ولا تموّل حقيقي، فالإيداعات خسارة كبيرة، وما تدفعه المصارف منها يجعل منها على الأقل غير رابحة.