ما فكرت به انحصر بتساؤلها عن سبب عدم توثيقها تلك اللحظة بصورة لم تكترث يوماً لامتلاك ذاكرة بصرية تغني أرشيفها.. وحين تنبّهت لأهمية تلك الصورة كعلامة فارقة للحظة شغف مهني وجمال استثنائي عاشته، تيقظت لخطئها الذي اقترفته طوال حياتها المهنية.
(جزء مني معلق من دون ملامح.. ضاع مع تلك الصورة)..رددتْ تلك العبارة.. وتيقنت أن جزءاً من الآخر أيضاً يتسرب من ذاكرتنا حين لا نثبت لحظاتها معه، زمنياً، بصورة.
تضخّمت تلك الفكرة برأسها وهي تتابع حدثاً فنياً ثقافياً ذكّرها بصورتها الضائعة، تم تكريس “الصور” فيه دليل أثر وإنجاز للحظات لا تعبر من ذاكرتنا بسهولة.
والأهم اعتماد الكثير من المواقع وصفحات التواصل الاجتماعي فيه على صور وُجدت ببصمة الذكاء الاصطناعي لا تتطابق مع الهيئة الواقعية لذوي الحدث..هل يقوم الذكاء الاصطناعي بتحريف صورنا..؟ أين شرط الدقة التي يُفترض أن يتسم بها..؟ أين الذكاء في الأمر كلّه..؟
يبدو أننا نسير شيئاً فشيئاً إلى فقدان ملامحنا الحقيقية الأصلية فيما لو تمّ فرد إمكانيات الذكاء الاصطناعي لابتكار صورنا على هواه.. وهو ما يدفعنا إلى التمسك بتوثيق لحظاتنا ذاتياً بعدسة القلب قبل عدسة العين.. لحظات مخزّنة في صور ربما لم نستطع أن نقرأ أهميتها حينها كوثيقة في زمن (شخصي /صحفي) ذي بُعد ثقافي، تشتمل إمكانية أن تُستعاد وأن يُبنى عليها فيما بعد.
فالصورة تحدّثنا بصمت.. وربما بصخبٍ يفوق ضجيج الكلمات.. ولهذا فقدانها يربك ذاكرتنا ليس لأننا نبحث عن ملامحنا فيها بل عن ملامح شعور قديم ارتبط بها.
الصورة تكثيفٌ لما كنا عليه ضمن ذاك الشعور.. تثبيته وإعادة إنعاشه.. وبالتالي حين تضيع منا يعني فقدان اللحظة الفريدة الحاسمة التي لا يمكن تكرارها، تماماً كما ذكرت سوزان سونتاغ: (التصوير هو استملاك الشيء الذي نصوّره).