الشاعر أوس أسعد.. يوائم مبنى قصائده بالمعنى لتشرق برمزيتها الآسرة

الثورة_رفاه دروبي:

طرح الناقد والشاعر الدكتور طارق العريفي دراسة تحليلية تفكيكية في قصيدة النثر لدى الشاعر أوس أحمد أسعد، معتبراً أنَّ التكثيف والاختزال من أهمِّ السمات الأسلوبية والجمالية المتميزة بها قصيدة النثر عن الأشكال الشعرية التقليدية، وذلك لما تحتويه على السمة ذاتها من قوة وعمق، معتبراً التكثيف القدرة على شحن اللغة بطاقة شعورية ودلالية عالية في أقل عدد ممكن من الكلمات، وتكمن أهميته في إثارة الدهشة، حيث يحفز القارئ على التوقف والتأمل، لأنَّ كل كلمة تبدو مشحونة بالمعنى.ِالدكتور العريفي، أشار إلى أنَّ الاقتصاد اللغوي يجعل اللغة مقتضبة وعميقة، فتغدو الكلمة الواحدة قادرة على حمل أكثر من معنى أو دلالة، ويعمل على إبراز الجمالية اللغوية؛ فتظهر براعة الشاعر في اختيار الألفاظ بعناية، ما يجعل النص أكثر إشراقاً وتجذراً، لذا يحقق الإيحاء والرمزية، ويحذف الزائد، ويُفسح المجال للتأويل، ويمنح النص مرونة دلالية، وتظهر القوة الشعورية لتِختزل المشاعر والانفعالات في صورة أو عبارة قصيرة لكنَّها مكثفة ومؤثرة.

كما يمكن تحرير النص بالاختزال من السرد التقليدي، ويركز الانتباه على الجوهر، ويخلق الإيقاع الداخلي، كي يُصبح النص أكثر توازناً من حيث النغمة والإيقاع النفسي، ويحقق عنصر “البياض” إتاحة المجال للصمت والفراغ، باعتبارهما عنصران مهمان في قصيدة النثر كما في اللوحة التشكيلية، وستكون قصيدتنا المكثفة ذاتها حين يرتبط المبنى بالمعنى إحدى النصوص الشعرية من قصيدة النثر للشاعر أوس أحمد أسعد، وإن كان الاختيار يعتمد على توافر السمة ذاتها “التكثيف” لدى الشاعر، فإنَّ النص يعتمد أيضاً على تلك الكثافة اللغوية، والدفقة الشعورية، والإشراقة الرمزية، طارحاً مثالياً على قوله من الشاعر:

“أكلما دنا عاشقان من حافة الحبِّ، ترتعش وردة وتسقط في المزهرية”.

ولفت الشاعر العريفي إلى أنَّ البيت الشعري يحمل صورة رمزية مكثفة وعاطفية، وتحليله يكشف عن شعور عميق بتجربة الحبِّ فظاهرياً: كلما اقترب عاشقان من تجربة الحبِّ أو الاعتراف به، يحدث ما يشبه الفشل أو الانهيار، وردة ترتعش وتسقط، ويُقصف عمرها لتوضع في المزهرية كدليل على تلك الحالة من الحبِّ، فالوردة ترمز غالباً إليه أو المشاعر الرقيقة، والارتعاش يوحي بالتوتر، الخوف، أو الهشاشة.

أمَّا السقوط في المزهرية فيرمز للجمود أو موت المشاعر وفقدان العفوية أو الحياة الطبيعية له، ويعكس البيت هشاشته عند بداياته، وربَّما صعوبة تحقق الحب الصادق في عالم مليء بالعوائق أو التوترات وإنَّ كل اقتراب حقيقي بين عاشقين يرافقه ارتباك، خوف، وربَّما نهاية قبل البداية؛ كما تسقط الوردة الجميلة في المزهرية وتفقد حريتها. وبذلك يلمّح البيت إلى أنَّ الحب ليس دائماً لحظة اكتمال أو فرح، بل يمكن أن يكون محفوفاً بالخسارة المحتملة منذ لحظة ولادته.كما أوضح أنَّ تلك الدراسة الدلالية للنص استطاعت أن تبين لنا المفارقة بين اكتمال الحب وانتهاء عمر الوردة، فلا يكتمل إلا وتسقط الوردة في عنق المزهرية وتصبح أسيرته، ويبقى المعنى يدور في فلك الدلالة الظاهرية ما لم يتعرض لدراسة تفكيكية تسبر أعماق الاختزال والتكثيف في قصيدة النثر، كما أشرنا إلى أهميتها كأسلوبية جمالية، فالعاشقان في النص ذاته لا يمثّلان حبيبين بالمعنى الرومانسي فقط، بل يُمكن أن يُمثّلا أبناء وطنٍ واحد، يريدان اللقاء عند نقطة حب مشترك يتمثل بحب الوطن، وطرفين فكريين مختلفين، يحاولان الاقتراب من اتفاق، وببساطة، كلاهما محاولتان صادقتان للالتقاء على معنى أعلى، وأنبل، وأكثر إنسانية، لكن كل مرة يحدث الاقتراب، تظهر قوّة ما تُفشله في رمزية الصورة وكثافتها، فالحب حب الوطن, والوردة روحه، وارتعاش الوردة ارتباك الوطن، والمزهرية أدلجته القاتلة، وحافته المصالحة، والحقيقة، ووحدة الوطن، متسائلاً ألسنا أمام دراسة تفكيكية لشاعرٍ صعبِ المراس، دَرِبَ قصيدة النثر، وعشق الغوص في أعماق رمزيتها وتكثيفها؟ثم بيَّن أنّ حبَّ الوطن صار محل نزاع، ومَن يُحبّه أكثر صار مضطراً لإثباته بـإقصاء الآخر، فإنَّ أي اقتراب منه يُقابَل بانهيار الوردة، وتمثّل الوطن المجروح، الرقيق، الممزق بين المتحاربين، وروح الحب الوطني الصادق، مَنْ لا تصمد أمام الاستقطاب والسلاح، وأيضاً تمثّل البراءة السياسية والأمل ما إن يقترب من التحقق، حتى يسقط في ارتعاش الوردة وارتباك الوطن، أو رعب الفكرة الصادقة من أن تُجهض.سقوطها في المزهرية؛ يعني دخولها في إطار محفوظ، لكن ميت، كما تُدخِل الأوطان في خطابات فارغة أو قوالب خشبية لا حياة فيها، حقيقةً إنَّ المزهرية “الأدلجة القاتلة، والشعارات الجوفاء”، تحفظ شكل الوردة، لكنَّها تقتلها، إنَّه الاستعراض الوطني المفرغ من المعنى، وشعارات تُرفع باسم الوطن، بينما يتقاتل المحبون باسمه، ليكون شكل الحب للوطن، لا جوهره.

فالوطن (الوردة) كلما اقترب أبناؤه من حبّه حقاً، خاف، وارتعش، وهوى في قالب خلافات وصراعات تمزقه.

خاتماً حديثه: إنَّ الخطاب بأسلوبيته التكثيفية وجماليته يصوّر الوطن ككائن هش، كلما اقترب منه اثنان بمحبة صادقة، كلما لاحت فرصة حقيقية للسلام، أو للالتقاء حول حبه، فينحسر الأمل سريعاً، وينهار، في المعنى ذاته، الشاعر ينتقد الصراعات الوطنية المقنّعة باسم الحب، ويُظهر كيف أنَّ الحب الحقيقي- سواء للوطن أم للإنسان- لا يستطيع الصمود في وجه الشعارات، فالحب مَنْ يجب أن يوحّد، أصبح سبباً في التفرقة والخلاف، وكلُّ محاولةِ حبٍّ تُقابَل باهتزاز، ثم سقوط.

فالوردة “الوطن، البراءة، “الأمل” ترتعش كلما اقتربنا منها، لأنَّنا نخيفها بدمائنا، والمزهرية مقبرة الشعر، والحقيقة، والحب تحت اسم الوطنية، فحب الوطن، حين يتحوّل إلى تنافسٍ قاتل، يُسقط نفسه ضحيةً بين المحبين.

آخر الأخبار
توقيع عقود تصديرية.. على هامش فعاليات "خان الحرير- موتكس"     تشكيلة سلعية وأسعار مخفضة.. افتتاح مهرجان التسوق في جبلة السياحة تشارك في مؤتمر “ريادة التعليم العالي في سوريا بعد الثورة” بإستطاعة 100ميغا.. محطة للطاقة المتجددة في المنطقة الوسطى "خان الحرير - موتكس".. دمشق وحلب تنسجان مجداً لصناعة النسيج الرئيس الشرع أمام قمة الدوحة: سوريا تقف إلى جانب قطر امتحان موحد.. "التربية" تمهّد لانتقاء مشرفين يواكبون تحديات التعليم خبير مالي يقدم رؤيته لمراجعة مذكرات التفاهم الاستثمارية أردوغان: إســرائيل تجر المنطقة للفوضى وعدم الاستقرار الرئيس الشرع يلتقي الأمير محمد بن سلمان في الدوحة قمة "سفير" ترسم ملامح التعليم العالي الجديد خدمات علاجية مجانية  لمرضى الأورام في درعا الرئيس الشرع يلتقي الشيخ تميم في الدوحة الشيخ تميم: العدوان الإسرائيلي على الدوحة غادر.. ومخططات تقسيم سوريا لن تمر الحبتور: الرئيس الشرع يمتلك العزيمة لتحويل المستحيل إلى ممكن فيصل القاسم يكشف استغلال "حزب الله" وجهات مرتبطة به لمحنة محافظة السويداء ضبط أسلحة وذخائر معدّة للتهريب بريف دمشق سرمدا تحتفي بحفّاظ القرآن ومجودي التلاوة تنظيم استخدام الدراجات النارية غير المرخّصة بدرعا مطاحن حلب تتجدد بالتقنية التركية