الثورة – بشار محمد:
تترقب الأوساط الكروية بحذر، تفاصيل وكواليس الأيام التي تفصلنا عن الموعد المقرر لانتخاب مجلس إدارة جديد لاتحاد كرة القدم، لجهة الإعداد المحكم لسيناريو العملية الانتخابية، بتعليماتها ونظامها الجديد المحدد بالقوائم الانتخابية، والتي ستطّبق للمرة الأولى أملاً بولادة اتحاد منسجم، يقوم بإحداث نقلة كروية تفرضها الأحداث المتسارعة، والتطورات الكبيرة في عالم المستديرة.
كرة القدم الوطنية على أعتاب مرحلة مصيرية تاريخية، فكل المفاصل الإدارية والفنية، والمسابقات والمنتخبات الوطنية، مرهونة بولادة الاتحاد الجديد، والكم الكبير من القضايا، والتحديات الإدارية والمالية والفنية، مؤجلة حتى تضع المعركة الانتخابية أوزارها، وتسدل الستارة على الفصل الأهم في حكايتنا الكروية التي آن لها أن تكون حكاية سعيدة، بفصول وأحداث وإنجازات تطوي صفحة النكسات والإخفاقات السابقة.
الملف الأهم
وفي هذا الشأن، انحصر الصراع نحو دخول قبة الفيحاء بين قائمتين فقط، من بين القوائم التي تقدمت لخوض المعركة الانتخابية، وفق التعليمات والشروط الجديدة، وفي حصيلة مسارها القانوني تقديماً وطعوناً، كانت النتيجة مواجهة بين قائمة يترأسها فراس تيت، وأخرى يترأسها جمال الشريف، رئاسة ونائباً وأعضاء، وأمام مشهد الصراع القريب لحسم هوية الاتحاد، لابد أن ننوه بملف نجده الأهم، فيما ينتظر الاتحاد العتيد من ملفات وقضايا، ويتمثل بملف المنتخبات الوطنية الذي يرتبط نتاجه حقيقة، بمعيار نجاح أو إخفاق الاتحاد، بل هو يحدد مصير الاتحاد وفق ما يتركه من تبعات في الشارع الرياضي.
ملف المنتخبات الوطنية اليوم، ملف حساس، فالمنتخب الوطني حجز مكانه في الكأس الآسيوية، ومثله منتخبنا الأولمبي تحت (23) عاماً، ومنتخب الناشئين يتحضّر للتصفيات الآسيوية، ولكل منتخب واستحقاق حاجيات ومتطلبات، مؤجل البت بها حتى ولادة الاتحاد، الذي بمطرح ما نواسيه ونشد على يديه، فالتركة ثقيلة وموجعة، وظروفه أقل ماتوصف بأنها استثنائية وصعبة فنياً مادياً.
على الطلب
وفي هذا السياق، سنمر سريعاً على مشهد منتخباتنا الحالي، المتفرد صراحة عن باقي منتخبات محيطنا العربي والقاري، فالمنتخبات تلعب خارج أرضنا، نتيجة الحظر الدولي المفروض من الاتحاد الدولي، وهي قضية لم نعد نسمع عنها للأسف، كأولوية لحلها على مستوى تقديم ملف محكم ينجح بإقناع الفيفا للتراجع عن قراره، بما يتضمنه الملف من متطلبات لوجستية، فنية وإدارية ومالية، لانعتقد أننا نملكها الآن.
المنتخب الوطني بقيادة مدربه الإسباني خوسيه لانا، تأهل لآسيا (2027) ويتحضّر بعد أيام لخوض مبارة ملحق التأهل لكأس العرب أمام منتخب جنوب السودان، بصورة ارتجالية، فالمدرب متواجد خارج الديار، والأمور تُدار عن بعد، ليس لأننا نواكب العصر الحديث تكنولوجياً، أو عبر أدوات ومهارات الذكاء الاصطناعي، بل لأن عقد المدرب والتفاوض معه، لطالما كان مجحفاً بحق منتخبنا، فنياً ومادياً، والمالي تحديداً، لأن واقعنا صعب، والتعامل معه يتم بشكل مستفز، وبعيد عن الشفافية، ومصير التأهل للكأس العربية ليس بمتناول اليد، لأسباب فنية، أهمها عدم قدرة لانا على وضع قائمة أساسية للاعبين مناسبة، فالمباراة خارج أيام “الفيفا” المعتمدة، والقوائم والدعوات على الطلب، منها مغتربون جدد، ومنها لاعبون سبق أن تم تجريبهم، أو لاعبون تم استبعادهم، ولكن الظروف تفرض خيارات محرجة.
الأولمبي الذي تفصله عن استحقاقه القاري المرتقب أسابيع، ليس أفضل حالاً، بل على العكس، نجده أصعب، وموضوع إدارته الفنية تركت ردود فعل متباينة، بين مؤيد وداعم للمدرب الجديد، وبين رافض لطريقة “على الطلب” في الوقت المتاح، وهي طريقة لاتليق لا بالمنتخب الأولمبي كأولوية، ولا بهوية المدرب الذي أجمع عليه عشاق وجمهور منتخبنا، وتفاءلت بأنه سيحدث النقلة المطلوبة، فهو مدرب ملتزم مع نادٍ محترف في السعودية بعقد، ومُكلّف بمهمة قيادة المنتخب الأولمبي خلال فترة توقف ناديه ! أو خلال فترات يسمح بها عقده ؟ فهل هكذا تورد الإبل؟! وهل بهكذا عمل نستطيع أن ننجز وننافس في الكأس القارية المرتقبة.
وهنا لابد من الإشارة إلى أن تكليف المدرب الجديد جهاد الحسين، نال نصيباً كبيراً من رضا عشاق اللعبة وخبراته، لكنه بالمقابل اصطدم بموضوع الازدواجية الفنية التي قد تكون حجرة عثرة في تحقيق النتائج المأمولة.
وبخصوص منتخب الناشئين والذي لم يستطع المحافظة على لقب بطولة غرب آسيا، وخرج من الدور نصف النهائي أمام نظيره اللبناني، وتنتظره تصفيات آسيوية في ميانمار، فإن مشهده أيضاً مربك، فمن جهة قيادة الدفة الفنية لمدرب وطني مجتهد، ومن جهة ثانية تعاني هذه الفئة عدم وجود مسابقة منتظمة تنتج لاعبين بمستوى فني لائق، فالوجهة والاعتماد على لاعبين محترفين بفئة عمرية حرجة، لناحية الانضباط الفني، والاستعداد النفسي المناسب، والذي لم يكن حاضراً في غرب آسيا، لذا تعتمد فلسفة العمل لدى الاتحادات عربياً وقارياً، على اختيار قيادة فنية خبيرة ومؤهلة للعمل مع هذه الفئة، وفق خطة واضحة طويلة ومستقرة، للوصول إلى النتائج والأهداف التي تنعكس على مستقبل منتخباتنا الوطنية.
غياب المرجعية
وأمام هذا المشهد الضبابي والمعقد، نتضامن لفظياً مع الاتحاد القادم المثقل بتركة من التعاقدات وآليات العمل والأساليب غير الواضحة، المفتقدة للشفافية والموضوعية بإدارة هذا الملف الحساس، ونطالب القائمتين المتنافستين بتبيان رؤيتهما للتعامل مع ملف المنتخبات الوطنية، ووضع معايير ناظمة للتعاقد مع المدربين، وشروط التعاقد، كذلك بما يخص دعوة واختيار اللاعبين المحترفين والمغتربين، والتي حتى اللحظة لم تؤت ثمارها كما ينبغي، عبر تفعيل دور اللجنة الفنية الخاصة باللاعبين، وربطها بلجنة يُفترض أنها تُقيّم السير الذاتية للمدربين، وتنتخب الأفضل، ليتم التفاوض لقيادة الجهاز الفني لمنتخباتنا.
وبهذا الموضوع نعاني صراحة من غياب جهة مرجعية فنية وقانونية، تضمن إنجاح هذا الملف، فلا يوجد لجنة تُقيّم عمل المدرب، وحصيلة نتاجه فنياً، أو لجنة تدرس وتنظر بتقارير إدارة المنتخب، ولم نستطع أن نفصل إدارة المنتخب عن أصحاب القرار في الاتحاد، فكيف سيحاسب المكلف بالمحاسبة نفسه إذا كان عضو الاتحاد أوعضو لجنة استشارية مكلفاً بمهام مدير المنتخب؟!
الملف خطير، وإدارته ليست بالأمر السهل، ونجاح إدارته لابد أن تكون أحد بنود البرنامج الانتخابي للقائمتين المتنافستين، فمصير الاتحاد المنتظر، ولادته مرتبطة حيوياً بنجاح ملف المنتخبات، الذي لطالما كان نتاجه يحدد بقاء الاتحاد أو حله وعدم استكمال دورته، والاتحادات الكروية المتعاقبة خلال العقدين الأخيرين، عانت من ذلك، ودفعنا ثمن حل الاتحاد، لتجد كرتنا نفسها تحت رحمة لجان مؤقتة.
بالمحصلة لابد من انتهاج أسلوب عمل غير نمطي ولا تقليدي، في إدارة ملف المنتخبات، يحفظ هيبة المنتخب، ويعلي مصلحته كأولوية، بدءاً من التكليف والتفاوض، مروراً بالشروط وصولاً للخاتمة المقرونة بالنتائج، وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب والمساءلة وفق النتائج، فالعبرة في الخواتيم، وهي دعوة منا للقادمين أن يكتبوا شهادة ميلاد لاتحادهم بثوابت ومعايير وبنهج علمي مستند لخطة ورؤية وميزانية مالية ملزمة لتحقيق النجاح المطلوب.