دمشق بعد الجدل.. انفتاح ليلي مشروط يوازن بين راحة السكان والأسواق

الثورة – ثورة زينية:

في مشهد يعكس حساسية التوازن بين متطلبات التنظيم وضرورات الحياة اليومية، أعلنت محافظة دمشق مساء أمس عن تعديل القرار الخاص بتنظيم أوقات عمل الفعاليات التجارية والخدمية، بعد موجة من الانتقادات الواسعة التي طالت الصيغة السابقة التي كانت تحدد الإغلاق الليلي عند ساعات اعتبرت مبكرة من قبل شرائح واسعة من السكان والتجار.

اليوم ومع بدء تنفيذ القرار المعدل تخوض دمشق تجربة جديدة في إدارة ليلها الطويل، المدينة التي لا تعرف النوم تعيد ترتيب ساعاتها وفق معادلة دقيقة: لا ضجيج بلا تنظيم، ولا تنظيم يخنق الحياة، وبدا القرار الجديد، الصادر تحت رقم 620 لعام 2025، أشبه بتراجعٍ محسوب تحت ضغط شعبي واقتصادي متنام، لكنه في الوقت ذاته محاولة لإعادة الإمساك بخيوط العلاقة المعقدة بين التنظيم العام وحيوية الشارع الدمشقي.

الصيغة المعدلة أكثر مرونة

منذ الإعلان عن القرار الأول قبل أسابيع انقسمت المدينة بين مؤيد يرى في التنظيم ضرورة لفرض الانضباط والحد من الإزعاج والفوضى الليلية، ومعارض اعتبره قيداً جديداً على ما تبقى من نبض اقتصادي في عاصمة أنهكتها الظروف المعيشية. في الأسواق كما في المقاهي والمطاعم كان الجدل محتدماً: فكيف يمكن لمدينة تعيش على إيقاع المساء أن تطفئ أنوارها في العاشرة؟ وكيف لمطعم أو متجر يعتمد على الزبائن في ساعات الليل أن يستمر اقتصاديا ضمن قيود صارمة كهذه؟.

الضغوط لم تقتصر على التجار كما يرى الباحث الاقتصادي معتز السواح بل امتدت إلى الشارع الدمشقي الذي يعيش نمطاً اجتماعياً مختلفاً عن المدن الأخرى، فالحياة هنا على الرغم من الصعوبات لا تزال تنبض بعد منتصف الليل، حيث المقاهي تستقبل الزبائن والباعة يفترشون الأرصفة والعائلات تبحث عن متنفس في ليل العاصمة الطويل، مضيفاً: هذا الواقع جعل القرار السابق يبدو بعيداً عن روح المدينة فارتفعت الأصوات مطالبة بالمراجعة، وتحوّل الجدل إلى حالة رأي عام دفعت المحافظة إلى التراجع الجزئي وإعادة ضبط المواعيد. الصيغة المعدلة جاءت أكثر مرونة حسب الباحث السواح حيث سمحت للمطاعم والمقاهي والمنتزهات بالعمل حتى الواحدة بعد منتصف الليل، مع تمديد حتى الثانية في عطلة نهاية الأسبوع، بينما استثنيت منطقة الربوة لتبقى حتى الثالثة فجراً، المولات والفعاليات التجارية الكبرى منحت أيضاً فسحة زمنية أوسع تمتد حتى الثانية بعد منتصف الليل، في حين بقيت الأسواق والمحال التجارية التقليدية ضمن نطاق الإغلاق عند العاشرة ليلاً.

حوار غير معلن بين السلطة والمجتمع

ويضيف السواح: غير أن هذا التعديل لم يكن تنازلاً مطلقاً، فقد رافقته شروط صارمة تتعلق بالانضباط الصوتي ومنع الإزعاج، مع تأكيد على أن شرطة مجلس المحافظة ستتابع التنفيذ وتضبط المخالفين، موضحاً أن هذا التراجع الجزئي يشكل تحولاً في منهج إدارة الشأن المحلي، إذ لم يعد القرار الإداري بمعناه التقليدي كافياً في ظلّ واقع اقتصادي واجتماعي متحرك، لافتا إلى أن التفاعل مع الشارع بات ضرورة لا خياراً، لا سيما في بيئة تعاني من تراجع القدرة الشرائية وازدياد اعتماد الناس على الأعمال الليلية والمواسم. لكن ما جرى في دمشق حسب السواح لا يمكن قراءته فقط كقضية محلية تتعلق بمواعيد الإغلاق، فالقصة أعمق من ذلك، إنها تعبير عن حوار غير معلن بين السلطة والمجتمع، بين مركز القرار والناس في الشارع، بين من يسعى إلى فرض الانضباط ومن يحاول التمسك بما تبقى من نمط حياة طبيعي، منوها بأن التراجع الجزئي لم يكن مجرد استجابة لمطالب اقتصادية بل إشارة إلى مرونة جديدة في التعامل مع الضغط الشعبي، وإدراك متزايد بأن القرارات التي تمس تفاصيل الحياة اليومية لا يمكن فرضها بمعزل عن صوت الناس.

يقول أحد أصحاب المقاهي في شارع المطاعم: إن الليل هو رزقنا والمساء هو وقت عملنا الحقيقي فحين تغلق المدينة مبكراً، كأنها تغلق أبواب الأمل أمامنا.

محاولة لتهدئة طرفين متناقضين

في المقابل أفاد مصدر في محافظة دمشق لصحيفة الثورة أن الغاية من التنظيم ليست التضييق، بل إعادة النظام إلى مدينة ازدادت فيها الشكاوى من الضجيج والفوضى الليلية والإشغالات العشوائية، فبينما يطالب التجار بمساحة حرية أكبر يطالب السكان براحة وهدوء افتقدوه منذ سنوات ما يجعل القرار الجديد محاولة لتهدئة طرفين متناقضين في آن واحد. وشمل القرار الجديد حسب بيان كانت المحافظة أصدرته مساء أمس تحديد أوقات عمل مختلف الفعاليات التجارية والخدمية في مدينة دمشق، حيث ستغلق جميع الأنشطة يوم العطلة الأسبوعية باستثناء بعض القطاعات الحيوية.

وحدد القرار ساعات عمل محال بيع المواد الغذائية من السادسة صباحاً حتى الواحدة بعد منتصف الليل، ومحال الحلويات والبوظة من الثامنة صباحاً حتى الواحدة بعد منتصف الليل، بينما تعمل المطاعم والمقاهي والكافيتريات والمنتزهات ومحال العصائر من السابعة صباحاً حتى الواحدة بعد منتصف الليل، وتمديد الدوام حتى الثانية بعد منتصف الليل في أيام الخميس والجمعة والسبت، كما سمح القرار للمولات والفعاليات داخلها بالعمل من السادسة صباحاً حتى الثانية بعد منتصف الليل، وللمطاعم والمنتزهات في منطقة الربوة حتى الثالثة بعد منتصف الليل.

كما حددت مواعيد عمل النوادي الرياضية من السادسة صباحاً حتى الحادية عشرة ليلا، عدا صالات البلياردو التي يسمح لها بالاستمرار حتى الواحدة بعد منتصف الليل، فيما سمح لصالات الأفراح بالعمل حتى الواحدة بعد منتصف الليل بشرط توفر العزل الصوتي الكافي، أما صالونات الحلاقة، فحددت ساعات عملها بين السابعة صباحاً والعاشرة ليلاً باستثناء يوم العطلة الأسبوعية، في حين سمح للأكشاك ومحطات الوقود بالعمل على مدار 24 ساعة، ومحال الإنترنت من التاسعة صباحاً حتى منتصف الليل شريطة عدم الإزعاج أو تشغيل الألعاب الإلكترونية.

يشار إلى أن القرار الأول الذي صدر قبل نحو شهر شكل بداية الجدل الدائر حول مواعيد الإغلاق في العاصمة، إذ نص حينها على إغلاق الأسواق والمحال التجارية عند التاسعة مساء، والمطاعم والمقاهي والمنتزهات عند العاشرة، مع استثناءات محدودة شملت الأكشاك ومحال المواد الغذائية ومحطات الوقود حتى منتصف الليل، وقد بررت محافظة دمشق الخطوة آنذاك بأنها تهدف إلى ضبط النشاط الليلي والحد من الإزعاج وتنظيم الحركة في الشوارع، إلا أن القرار واجهته انتقادات واسعة من التجار والمواطنين الذين اعتبروا أنه لا ينسجم مع طبيعة الحياة الاقتصادية والاجتماعية في المدينة، ما مهد لاحقاً لتعديله بالصورة الحالية.

آخر الأخبار
شراكة وطنية ودولية غير مسبوقة لكشف مصير المفقودين في سوريا لا أحد فوق القانون حين يتكلم الشرطي باسم الدولة    "المنطقة الصحية" في منبج تدعو لتنظيم العمل الصيدلاني وتوحيد التراخيص  "صحة درعا" تحدث ثلاث نقاط إسعاف على الأتوتستراد الدولي افتتاح مشاريع خدمية عدة في بلدة كحيل بدرعا قلوب صغيرة تنبض بالأمل في مستشفى دمر 11 ألف شركة في 9 أشهر.. هل تُنعش الاقتصاد أو تُغرق السوق بالاستيراد؟ سوريا في COP30.. لمواجهة التحديات البيئية بعد سنوات من الحرب "سمرقند" تجمع سوريا وقطر على رؤية مشتركة للنهوض بالتعليم الكهرباء تتحرك ميدانياً.. استبدال محولات وتركيب كابلات في مناطق بريف دمشق حق التعلم للجميع..مشروع رقمي يضع المناهج بمتناول كل طالب حلب تطلق النظام المروري الذكي.. خطوة نوعية لتسهيل حياة المواطنين دول تتحول الى مقابر للسيارات التقليدية  "آيباك" تقود التيارات الرافضة لإلغاء العقوبات الأميركية على سوريا أزمة صحية خانقة تواجه سكان قرى حماة.. وطريق العلاج طويل زراعة الفطر.. مشروع واعد يطمح للتوسع والتصدير هوية تنموية لسوريا الجديدة  اهتمام دولي بزيارة الشرع لواشنطن ودمشق تستثمر الانفتاح الكبير لإدارة ترامب هل تستعيد الولايات المتحدة العجلة من "إسرائيل" المدمرة مؤتمر"COP30 " فرصة للانتقال من التفاوض والوعود إلى التنفيذ