الثورة-أسماء الفريح:
مع تفاقم آثار التغير المناخي على كوكب الأرض، تستعد مدينة بيليم البرازيلية لاستضافة مؤتمر قمة الأمم المتحدة للمناخ “كوب 30” في الفترة من السادس وحتى الحادي والعشرين من تشرين الثاني الجاري بمشاركة قادة دول وعلماء ومنظمات بيئية ونشطاء وغيرهم لمناقشة سبل التصدي لهذه المخاطر والوصول إلى حلول مستدامة باتت تشكل ضرورة وجودية لملايين البشر.
مشاركة سوريا في المؤتمر ستكون ممثلة بالسيد الرئيس أحمد الشرع الذي سيترأس وفداً رفيع المستوى وسيشارك في الجلسات العامة والاجتماعات الثنائية على هامش المؤتمر.
هذه المشاركة تأتي انطلاقاً من كون سوريا دولة عانت على مدى السنوات ال14 الماضية من آثار الحرب التي شنها النظام البائد والذي لم يكتفِ بقتل مئات الآلاف من السوريين وتشريد الملايين قسراً داخلياً وخارجياً بهدم منازلهم واقتلاعهم من أراضيهم وقضائه على ثرواتهم الزراعية والحيوانية، بل أنه دمر البيئة أيضا بإحراقه عمدا مساحات واسعة من الغابات الكثيفة في الساحل وغيره بكل ما تحتويه من محميات طبيعية وأشجار معمرة وحيوانات وطيور وتلويثه المياه والأجواء.
المحلل والباحث بالشؤون السياسية ومدير الرابطة السورية لحقوق اللاجئين مضر حماد الأسعد قال لصحيفة الثورة إن هناك ملفات كثيرة يحملها الرئيس الشرع بمشاركته في مؤتمرCOP30 تشمل القضايا البيئية الرئيسية في سوريا وهي قضايا متعددة ومهمة وشائكة وبالتالي فإنها تتطلب تدخلاً دولياً من أجل مساعدة الحكومة السورية في معالجتها وحلها نظراً لنقص الموارد المتاحة لديها.
وأشار إلى أن من القضايا المهمة هي مخلفات الحرب المنتشرة في الأراضي السورية ولاسيما الذخائر غير المنفجرة والألغام التي قامت قوات النظام البائد وميليشيات حزب الله وإيران وتنظيم “داعش” وقوات “قسد” بزراعتها، والتي تشكل تهديداً بالغ الخطورة وطويل الأمد والتي أودت بالفعل بحياة الكثيرين، وتسببت بإعاقات ولاسيما بين الأطفال واليافعين، كما أدت إلى نفوق الآلاف من الحيوانات خلال بحث مربيها عن الكلأ في الريف والبادية.
وبين أن هناك مساحات واسعة من الأراضي الزراعية التي لا يستطيع أصحابها إعادة استصلاحها نظرا لانتشار الذخائر غير المنفجرة والألغام فيها وما ينطوي على ذلك من مخاطر على حياتهم وعلى مواشيهم ما يضطرهم إلى تركها لتصبح غير صالحة للزراعة على المدى البعيد.
وتحدث الباحث الأسعد أيضاً عن الآثار المدمرة لما تسمى “الحراقات” أو مصافي النفط البدائية التي انتشرت خلال الحرب وخاصة في الشمال الشرقي والغربي من سوريا في أرياف دير الزور والحسكة وحلب وغيرها.
على الرغم من مخاطرها الصحية الخطيرة على السكان المحليين “تزايد انتشار الأمراض السرطانية والجلدية والرئوية” وعلى الأراضي الزراعية والمياه والحيوانات والتي أدت إلى تدمير النظم البيئية المحلية ما جعلها أقل إنتاجية وأكثر عرضة للتغيرات المناخية.
وأشار أيضاً إلى قضية قطع الأشجار الجائر الذي انتشر على نطاق واسع خلال حكم النظام البائد الذي تعمد إلى حرمان السوريين من الوقود والغاز في فصل الشتاء ما اضطر الكثيرون للجوء إلى الغابات الحراجية وقطع الأشجار المعمرة من أجل تأمين وسائل التدفئة، إضافة إلى قيام قواته بقطع الأشجار في غوطة ريف دمشق التي كانت تعد “سلة دمشق الغذائية” وإعدامه المواشي فيها خلال محاولته استعادة السيطرة عليها أثناء الثورة السورية، وما خلفه ذلك من أضرار بيئية خطيرة مثل التصحر وفقدان التنوع البيولوجي وزيادة الاحتباس الحراري وتغير المناخ.
وتابع الباحث الأسعد أن هناك مسألة مهمة أخرى وهي جفاف الأنهار نتيجة انحباس الأمطار مثل الخابور والعاصي الذي ينبع من لبنان، مع أنهار صغيرة أصبحت موسمية مثل الأعوج جنوب دمشق و البليخ في الرقة وجغجغ في الحسكة و قويق في حلب وزركان في شمال الحسكة وغيرها حيث أدى ذلك إلى الإضرار بالأراضي الزراعية والثروة الحيوانية وحتى في مسألة الطيور المهاجرة ما أدى إلى خروج الكثير من الدونمات الزراعية من الخطط والبرامج الزراعية في منطقة الجزيرة والفرات الحسكة ودير الزور والرقة وريف حمص وحماة وإدلب.
وسلط الأسعد الضوء أيضا على مسألة خطيرة وهي حفر الآبار الجائر منذ عام 1980 وحتى يومنا هذا مشيراً بشكل خاص، باعتباره ابن محافظة الحسكة، إلى منطقة “ينابيع رأس العين ” وهي المنبع الرئيسي لنهر الخابور، ما أدى إلى جفاف تلك الينابيع إضافة الحفر على سرير نهر الخابور من المنطقة الممتدة من ( رأس العين إلى تل تمر 50كم) ما أسفر عن توقف جريان نهر الخابور بشكل كامل حيث يبلغ طول النهر 320 كم ويصب في نهر الفرات قرب منطقة البصيرة والذي يعتبر شريان الحياة في محافظة الحسكة وشمال ديرالزور مما أدى إلى كوارث كبيرة على الحياة الاجتماعية والاقتصادية في الحسكة.

وأوضح أن الجفاف الناجم عن قلة الأمطار أدى إلى إطالة أمد القضايا البيئية التي كانت تعاني منها سوريا بالفعل، مبيناً على سبيل المثال أن ذلك أدى إلى تصحر الأراضي الزراعية في جنوب وشرق وغرب مدينة الحسكة من جنوب منطقة تل براك شمال الحسكة إلى نهر الفرات (250 كم )إضافة إلى منطقة جنوب الرد وتل حميس جنوب مدينة القامشلي حتى خط العشرة (على طول الحدود السورية التركية) والتي كانت تعتبر من أخصب الأراضي الزراعية.
وأشار الباحث الأسعد إلى أن تزايد النمو السكاني والتوسع الصناعي وتلوث المياه أدى أيضا إلى الإضرار بالحياة البيئية وسيشكل عائقاً على التنمية الاقتصادية في سوريا على المدى الطويل.
يشار إلى أن برنامج الأمم المتحدة للبيئة أصدر أمس تقريراً قال فيه إن انبعاثات غازات الدفيئة سجلت ارتفاعاً إضافياً بنسبة 2.3 بالمئة العام 2024 مدفوعة بزيادة في الهند، تليها الصين وروسيا وإندونيسيا، مع زيادة معدل الانبعاثات في الولايات المتحدة، وحذر من تبعات خطيرة لزيادة الاحترار العالمي. وشدد على أن تحقيق تخفيضات غير مسبوقة في الانبعاثات لا يزال ممكناً، وأن الحلول المجربة موجودة بالفعل، بما فيها النمو السريع للطاقة المتجددة الرخيصة ومعالجة إنبعاثات الميثان، مؤكداً أن “الآن هو الوقت المناسب للدول لتستثمر بكل طاقتها في مستقبلها من خلال إجراءات مناخية طموحة”.