لماذا نشتغل بالصحافة الثقافية دون غيرها من الأصناف الصحفية؟ ولِمَ نتعاطى الشأن الثقافي؟ هل ثمة جماليات خاصة نتتبع أثرها في هذا النوع من التعاطي؟
تقف الصحافة الثقافية في منطقة وسط بين اللغة التقريرية الجامدة، وبين اللغة الأدبية وتتميز عن سواها بقدرتها على منح الممارس لها، ذائقة جمالية تتراكم خبرةً نقدية على مرّ القراءات والمتابعات. في الثقافة، كمعطى إنساني إبداعي جمالي، تمتد صلات تواصل، مهمتها توسيع نقاط الالتقاء مع الآخر، مهما كان انتماؤه ومهما تنوّع أصله. وكأن وظيفتها تتجلّى بالانفتاح على هذا الآخر. وكلّما زادت سعة هذا الانفتاح، كلّما أصبحنا أكثر غنى وتنوعاً، وبالتالي أكثر قدرةً على تثمين العيش واختبار الحياة من زوايا متعددة. بعينٍ فاحصةٍ متأملةٍ وناقدة، نصل إلى ذلك.
هل يعني الأمر أن ممارسة الصحافة الثقافية، التي تستوجب متابعة مختلف أنواع الفعل الإبداعي، تُكسب الصحفي، دون غيرها، خبرة معرفية ومهنية تصل به لحدود امتلاك القدرة لتقديم (نقد جمالي)؟ ذلك النوع من النقد الذي يتعاطى مع اللغة ككائنٍ حي والذي يستطيع الصحفي من خلاله مقاربة الأشياء من زاوية الإحساس بالجمال، أي الإحساس بجمالية الأفكار التي يستشفها من العمل الإبداعي، مناقشتها والإضاءة عليها.
بمعنى آخر، كأننا من خلال ممارسة النقد الجمالي لا نتابع جماليات الأفكار التي نكتشفها في الأدب على وجه الخصوص والإبداع عموماً، مقدار ما نترصد أثر تلك الجماليات داخلنا، وكيف حفرت في أعماقنا آثارها. وكما لو أنها أداة نستظهر من خلالها بواطن ذواتنا لكن بلغةٍ تتلمّس الإحساس العالي بجمال مخبوء غير منكشف.
إنه فعل تنقيب جمالي أكثر مما هو نقد بمعناه الظاهري الرائج. “إيمانويل كانط” تحدث عن هذا النوع من النقد: “الحُكم الجمالي هو حكمٌ تأمليّ لا يستند إلى مفهوم، بل إلى الإحساس بالسرور أو عدم السرور الذي يثيره الموضوع في المتأمل”.