الثورة – إيمان زرزور:
تزايدت في الفترة الأخيرة شكاوى سائقي السيارات، خصوصاً على الطرق السريعة، من الحوادث المرورية التي يُعزى جزء منها إلى استخدام مصابيح الإضاءة المعدّلة (زينون / LED) ذات الوهج القوي، والتي تؤدي إلى إرباك الرؤية وإعاقتها لدى السائقين القادمين بالاتجاه المعاكس.
ويأتي ذلك في ظل غياب تشريعات واضحة تنظم سوق بيع وتركيب هذه المصابيح، أو تكافح انتشارها غير النظامي، الأمر الذي يزيد من هشاشة منظومة السلامة المرورية في سوريا.
وتنتشر في الأسواق المحلية ظاهرة تركيب مصابيح زينون أو LED داخل عواكس مخصصة أصلاً لمصابيح الهالوجين، ما يؤدي إلى تشكّل حزمة ضوئية غير منضبطة تزيد من الوهج وتخلق خطراً حقيقياً على الطريق، خاصة في المسارات المفتوحة وغير المقسّمة في المناطق الريفية.
ويقول محمد العاني، سائق نقل عام، لصحيفة “الثورة”، إنه يشهد يومياً على أوتوستراد حلب – دمشق حوادث مروعة معظمها أثناء الليل، مرجعاً السبب إلى السرعة من جهة، وإلى استخدام مصابيح قوية غير مضبوطة من جهة أخرى، الأمر الذي يجعل الرؤية شبه معدومة ويزيد من احتمالات وقوع الحوادث.
وفي مقارنة دولية، تؤكد وزارة النقل البريطانية أن استبدال مصابيح الهالوجين بمجموعات HID/زينون بعد البيع يُعد مخالفاً للقانون ما لم تُستبدل الوحدة كاملة بوحدة معتمدة ومطابقة للمواصفات، كما أن المركبات المخالفة تفشل في اختبار السلامة (MOT).
أما في الولايات المتحدة، فتشدد الإدارة الوطنية لسلامة الطرق على ضرورة الالتزام بمعيار FMVSS 108، إذ إن معظم مجموعات التحويل التجارية لا تحقق شروط التوزيع الصحيح للشعاع الضوئي، ما يجعلها مصدراً للوهج والخطر على مستخدمي الطريق. وتبرز هنا الفجوة التنظيمية في سوريا حيث لا توجد لوائح واضحة تضبط هذا القطاع.
ووفق العاني فإلى جانب الإضاءة، تتداخل أسباب أخرى تعزز خطر الحوادث ليلاً، منها ضعف إنارة الطرق، تراجع صيانة البنية التحتية، قدم المركبات، غياب الفحوص الفنية المنتظمة، نقص بيانات دقيقة لتحديد المناطق الخطرة، إلى جانب غياب إدارة واضحة لمنظومة النقل.
ولا توجد حالياً معايير قانونية في سوريا تحدد نوعية المصابيح المسموح بها، أو درجة سطوعها، أو لون الإضاءة وحرارتها، أو آليات التسوية الأوتوماتيكية للمصابيح العالية الشدة، كما لا توجد مواصفات فنية تُعد مرجعاً للفحص الدوري، على غرار المعايير الأوروبية (ECE R48/R98) أو الأميركية (FMVSS 108). اعتماد مثل هذه المعايير يساهم في تنظيم السوق وتعزيز الرقابة في مراكز الفحص الفني.
وطالب العاني في حديثه لـ “الثورة” إلى جانب سائقين آخرين، بضرورة ضبط السوق عبر منع بيع أو تركيب مجموعات التحويل داخل مصابيح غير مخصصة لها، وقصر الاستخدام على الوحدات المعتمدة، مع تفعيل الرقابة على الورش والمتاجر.
كذلك شدد على أهمية إدخال اختبارات إلزامية للمصابيح من حيث شدة الضوء، زاوية الشعاع، ولون الإضاءة، وربط النتائج بسلامة الترخيص، صيانة العلامات الأرضية والعاكسة، وإعادة تفعيل إنارة الطرق، ونشر أجهزة مراقبة ورادارات خصوصاً في المقاطع السوداء، وأكد على ضرورة إطلاق حملات إعلامية تستهدف السائقين وتشرح مخاطر الوهج غير المنضبط وأهمية ضبط ارتفاع الضوء.
وكانت تفاقمت مشكلة الحوادث المرورية في سوريا، لا سيما الليلية منها، متسببة بوفيات يومية، وباتت تتطلب معالجة متكاملة تشمل التشريع والتنظيم والفحص الفني والتوعية المجتمعية، واعتماد معايير واضحة لإضاءة المركبات وإعادة ترتيب سياسة السلامة المرورية يمكن أن يسهم بشكل ملموس في تقليل الإصابات والوفيات، ويخفف العبء الاقتصادي والبشري المرتبط بحوادث الطرق، ويعيد شيئاً من الأمان إلى شبكة الطرق السورية.