الثورة- حسين صقر:
التميز في مجال العمل أو الحياة الاجتماعية يتطلب القدرة على إيصال الأفكار بوضوح وثقة أمام الآخرين، ولا يتحقق ذلك إلا بمهارة التحدث أمام هؤلاء، إذ يعاني الكثيرون من رهبة التحدث أمام الجمهور، ما يؤثر على أدائهم.
هذه المادة تناولت كيفية تطوير مهارة التحدث أمام الجمهور بخطوات عملية مدروسة تساعد على تعزيز الثقة بالنفس وتحقيق التواصل الفعّال مع من نقابلهم.
صحيفة الثورة تواصلت مع الدكتورة مروة إبراهيم المدربة في المهارات الإدارية والقيادية والشخصية وبناء القدرات البشرية، والتي أكدت، أن تحسين مهارة التحدث أمام الجمهور يسهم في بناء الثقة بالنفس، وزيادة الفرص المهنية، وتعزيز القدرة على التأثير في الآخرين، موضحة أن من أكثر التحديات التي يواجهها الأفراد عند التحدث أمام الجمهور هو الخوف، والشعور بالقلق أو التوتر، وهو أمر طبيعي عند الوقوف أمام مجموعة من الأشخاص، وللتغلب على هذا الخوف، يجب اتباع بعض الخطوات البسيطة.

ضرورة لا رفاهية
وأضافت إبراهيم: إنه في عالم سريع الإيقاع، إذ تُقاس الفكرة بمدى قدرتها على الانتشار والتأثير، تصبح مهارة التحدث أمام الجمهور ضرورة وليست رفاهية، إذ التحدث أمام الجموع هو القدرة على نقل فكرة واضحة ومقنعة إلى جمهور محدد، عبر اختيار كلماتٍ دقيقة، وبناءٍ منطقي، ووسائل إيصال مناسبة “سرد، بيانات، أمثلة، وإيصال غير لفظي داعم وحول نبرة الصوت، والإيماءات والوقفات”.
ذكرت أن الجوهر هنا هو التأثير، من أجل تغيّر سلوك أو رأي أو قرار لدى آخرين، ولكن ليس المقصود هنا فقط الخروج على مسرح لإلقاء خطابٍ رسمي، بل كل موقفٍ يتطلب منك التعبير عن رأيك وإقناع الآخرين، كاجتماع إداري، عرض لاقتراح جديد، محادثة مع عميل، أو حتى رسالة تُقدّمها لفريقك، فهذه المهارة تحوّل الفكرة إلى قرارٍ يتنفس على أرض الواقع.
وأوضحت إبراهيم وهي باحثة وخبيرة في تطوير الكفاءات، ومتخصصة في تصميم وتنفيذ البرامج التدريبية التي تُعزّز الأداء الفردي والمؤسسي، أن المُتحدث القوي يقود النقاشات ويصنع القرارات، ويحوّل الأفكار إلى سياسات ومشروعات، لأنه حتى الأفكار الجيدة تفشل إذا فشل صاحبها في توصيلها ببساطة ودقّة.
طريقة العرض وبناء الثقة
وقالت المدربة في المهارات الإدارية: إن طريقة العرض تُشكّل انطباع الجمهور عن كفاءة الشخص ومصداقيته وتبني ثقة الآخرين فيه، لأنه عند تقديم تغيير إداري أو مشروع جديد، يستلزم الأمر القدرة على مواجهة الاعتراضات وإقناع أصحاب المصلحة بوجهة النظر وهذا يحتاج إلى مهارات قوية ومؤثرة من خلال المركزية الواحدة، ونصحت بأنه قبل التكلم يجب صِياغة الفكرة في سطر واحد، لأن المتحدث إن لم يستطع صياغة فكرته بإيجاز وشرح جوهر رسالته في جملة واحدة، فالجمهور سيهدر وقته في محاولة فكّ الشيفرة، وبالتالي التململ وعدم التركيز.
نصائح عملية
وأضافت: إنه من باب النصيحة العملية، أن يبدأ المتحدث العرض بجملة تختصر ما يريد تحقيقه، وكذلك استخدام السرد أو القصة: فالقصص تُوصل المعنى وتخلق ارتباطاً عاطفياً مع المتلقين، أي أن تبدأ العرض بقصة صغيرة واقعية عن مشكلة يمر بها الجمهور، أقوى من عرضٍ يفيض أرقاماً بلا حياة، كذلك استخدم قصة عميل أو حالة فعلية لتوضيح الحاجة أو الألم.
ونوهت بأن الناس يتذكرون ثلاثة عناصر بسهولة، هيكل حديثك حول ثلاث نقاط رئيسية، كل نقطة بدعم واحد أو اثنين من الأدلة، أي ترتيب الشرائح أو نقاط الحديث كمقدمة، مثلاً التعريف بالمحاور التي ستتحدث بها، كأن تكون ثلاثة محاور، وخاتمة واضحة، واستخدام التباين والدراما المقصودة: أي اعرض المشكلة بوضوح، “لماذا الأمر مؤلم الآن”، ثم قدم الحل، لماذا فكرتك هي الحل”، فالتباين يجعل الرسالة أكثر إقناعاً، وأظهر «الألم» بتفصيل مختصر ثم اعرض «الفائدة» بصورة مباشرة.

لغة الجسد ونبرة الصوت
وقالت إبراهيم: إن للغة الجسد ونبرة الصوت أهمية كبيرة، فهما يخلقان تواصلاً غير لفظي، إما أن يعزز أو يفرِض الشكّ في كلامك، فضلاً عن التزام التواصل البصري، وتدرج النبرة، والحركات المدروسة لتقوية الرسالة، وللنجاح في ذلك تدرب أمام كاميرا وتابع وضعية يديك وحجم حركاتك.
ونوهت بأن الوقفة المؤثرة لها دور كبير في إيصال الرسالة، والصمت أحياناً أقوى من الكلام، فوقفة مدروسة بعد نقطةٍ مهمة تمنحها وقتاً للرسوخ في ذهن المستمع، أي بعد عرض رقمٍ أو تصريحٍ حاسم، انتظر من 2-3 ثوانٍ بدل أن تواصل فوراً.
وأشارت إلى بساطة المحتوى البصري واللغوي، إذ إن الشريحة المشبعة بالنصوص تجعلك تفقد جمهورك، لذا فاجعل كل شريحة بفكرة واحدة، أو جدولاً بسيطاً يدعم الفكرة، و قلّل النصوص وادعمها بصورة أو رسم بياني واضح.
وشددت على أهمية التدريب والمراجعة القاسية، فما يبدو عفوياً غالباً هو نتيجة تدريب مكثف، وتمرن على التسلسل، والأسئلة المتوقعة، والألفاظ الدقيقة، أي سجل نفسك، واطلب ملاحظات من زميل، وكرر حتى تختصر من دون فقدان المعنى.
قبل العرض
ونصحت مدربة المهارات بوضع قائمة فحص سريعة قبل أي عرض، عبر مجموعة أسئلة، هل أستطيع تلخيص فكرتي في جملة واحدة؟ هل لديّ قصة أو مثال يعبر عن المشكلة؟، وهل هيكل العرض مركز في ثلاث نقاط؟، وهل ستكون الشرائح نظيفة وواضحة؟ وهل تدربت مرة واحدة على الأقل أمام كاميرا أو زميل؟، لأن التواصل الفعّال هو الجسر بين الفكرة والقرار، ولهذا استثمر وقتك في بنائه، وسترى أفكارك تتحول من كلماتٍ إلى نتائج تُقاس على أرض الواقع.

التغذية الراجعة
وتأكيداً على ما أغنت به الدكتورة إبراهيم موضوع التحدث أمام الجمهور يقول الاختصاصيون والمهتمون في بناء الشخصية: إن الاستماع للتغذية الراجعة ضرورة مهمة، أي إنه بعد كل خطاب أو حديث تلقيه، حاول الحصول على آراء من الجمهور أو الأشخاص المقربين منك، هذه الآراء قد تكون مفتاحاً لتحسين أدائك مستقبلاً، كما أنه حتى مع التحضير والتدريب الجيدين، قد يظهر التوتر أثناء التحدث أمام الجمهور.
لكن يمكنك إدارة هذا التوتر باستخدام بعض التقنيات البسيطة، من خلال التنفس العميق، وذلك عندما تشعر بالتوتر، أي قم بأخذ نفس عميق من الأنف ثم زفير بطيء من الفم.. هذه التقنية تساعد على تهدئة الأعصاب وتنظيم التنفس.
وأن تكون البداية تدريجية، أي ابدأ حديثك ببطء وهدوء، وخذ وقتك لتهيئة نفسك والجمهور، فالبدايات السريعة قد تزيد من التوتر وتجعل الأمور أكثر صعوبة.
وينصح هؤلاء باستخدام الفكاهة بحذر: ففي بعض الأحيان، قد تساعد الفكاهة الخفيفة على كسر حاجز التوتر وجعل الجو أكثر استرخاء، لكن تأكد من أن النكتة مناسبة للسياق ولا تؤثر سلباً على جدية حديثك.
وختاماً إن القدرة على التحدث أمام الجمهور بثقة وإتقان تعتبر من أهم أدوات النجاح في الحياة الشخصية والمهنية، لذا يجب الحرص على تطوير هذه المهارة، والاستمرار في التعلم والتطبيق لتحقق تواصلاً فعّالاً ومؤثراً مع الآخرين.