الثورة – رنا الحمدان:
لم تكن سومانا علي تدرك، وهي تراقب والدتها بنظرات فضولية صغيرة وهي تخيط الملابس في بيتها الريفي، أن تلك اللحظات البسيطة ستفتح لها لاحقاً باب المهنة والحياة. كانت طفلةً تنبهر بطريقة والدتها في قصّ القماش وإتقان الغرز وتنسيق الألوان، لتبدأ بتقليدها على نطاقها الصغير، تخيط ملابس لدميتها بخيوطٍ مرتجلة، وتتعلم أسرار الإبرة والسنارة والكروشيه بخفة يدٍ وفضولٍ طفولي جميل. مرت السنون، وحين شاءت الظروف والأقدار ، قررت سومانا ألا تستسلم، فاختارت طريقها بجرأة، مثبتة أن الشغف إذا امتزج بالصبر يتحول إلى قصة نجاح حقيقية.

بدأت من الصفر بماكينة خياطة يدوية “فراشة”، واستأجرت محلاً صغيراً في المدينة، لتبدأ بإصلاح وخياطة الملابس، قبل أن تتمكن تدريجياً من شراء ماكينة “سنجر”، ثم آلة صناعية كهربائية، تعمل على كل منها تبعاً للحاجة وتوفر الكهرباء.
تقول علي بابتسامة واثقة : “الماكينة اليدوية القديمة عملها أدق وأجمل، أما الحديثة فقد اختصرت الوقت وسهّلت العمل، فما كنت أنجزه بيوم كامل أصبح يحتاج لساعة فقط.” بعد أكثر من أربعة عشر عاماً من العمل المتواصل، باتت تمتلك خبرة واسعة وشهرة محلية في الخياطة والتفصيل، لكنها توضح أن الإقبال على إصلاح الملابس القديمة وإعادة تدويرها ازداد مؤخراً بسبب ارتفاع أسعار القماش والملابس الجاهزة، حيث يفضل كثير من الزبائن تجديد ما لديهم بدل شراء الجديد، وتحرص على أن تكون أجورها منطقية تناسب الجميع، خصوصاً أصحاب الدخل المحدود. ورغم نجاحها، لم تنس علي أن طريقها لم يكن سهلاً، فهي تدعو الجيل الجديد إلى تعلم حرفة أو مهنة إلى جانب الدراسة، لأن “اليد التي تجيد عملاً لا تخاف الحاجة”.
وتختم حديثها بأن الخياطة مهنة تتطلب الصبر والدقة، لكنها أيضاً فنّ يصنع الجمال من أبسط التفاصيل، ومن يريد النجاح فيها عليه أن يحبها حقاً، رغم آلام الرقبة والكتفين التي ترافقنا دوماً.