هل يتحقق التوازن بين الدخول القليلة وارتفاع الأسعار.. والكهرباء نموذجاً..؟

الثورة- سمر حمامة:

لم تكن مسألة رفع أسعار الكهرباء في سوريا مجرّد خبر اقتصادي عابر، بل شكّلت صدمة حقيقية في حياة كثير من الأسر التي تعيش أصلًا على خط الفقر أو تحته، فالمواطن السوري الذي استنزفت سنواتٌ طويلةٌ من الحرب قدرته على الصبر والانتظار، كان يترقّب أن تأتي الانفراجات من بوابة الكهرباء تحديداً، لأن الكهرباء كانت ـ ولا تزال ـ عنواناً مباشراً لكرامة الحياة: تدفئة في الشتاء، تشغيل الأدوات المنزلية، قدرة على الدراسة ليلاً، وانخفاض تكاليف الوقود البديل.

لكنّ الواقع جاء معاكساً لتوقّعات الناس، فتعرفة الكيلو واط ارتفعت، والتقنين لم ينخفض، والفاتورة أصبحت “هاجساً” جديداً يُضاف إلى روائح المازوت المرتفع، وتقنين الغاز، وغلاء الغذاء والدواء.

تقول السيدة وصال، وهي أم لخمسة أطفال، أحدهم مريض يحتاج شهرياً لدواء باهظ الثمن: أسكن بالإيجار، وكل يوم أصحو وأنا أفكّر كيف سأغطّي مصاريف الشهر، الآن الكهرباء ارتفعت فجأة كانت صدمة كبيرة لنا، لا أعرف من أيّ باب يجب أن أبدأ، ولا من أي باب أغلق خساراتي، أخشى أن نصل إلى مرحلة لا نستطيع فيها تشغيل حتى لمبة واحدة، الوضع خانق بكل معنى الكلمة.

وصال ليست حالة فردية، بل نموذج لآلاف الأسر التي تقف اليوم أمام جملة من الأسئلة: إذا كان الدخل ثابتاً، والأسعار كلّها ترتفع، فمن أين يُغطّى الفرق؟ وكيف يمكن لعائلة أن توفّق بين مصاريف المدارس، والغذاء، والدواء، والملابس، والغاز، والمازوت، واليوم ـ الكهرباء؟، زوج وصال موظف حكومي، يقول بوضوح: تحمّلنا سنوات الحرب، وقلنا: غداً يتحسّن الوضع. صبرنا على الرواتب الصغيرة لأننا كنا نأمل بتعويض ما بعد الحرب، الآن تأتي الزيادات بهذه الطريقة، فنشعر أننا ما زلنا ندفع ثمن كل شيء، أين الفائدة الحقيقية للمواطن؟.

ارتفاع غير منطقي ونتائج متوقّعة

يرى عماد، وهو شاب يعمل في محل أدوات كهربائية، أن هذه الزيادة ستخلق ظاهرة جديدة: الناس لن تستطيع الدفع، فماذا نتوقع؟، سيزداد التعدّي على الخطوط، وسيبحث المواطن عن حلول “غير شرعية”.

الدولة قد تربح على الورق من رفع التعرفة، لكنها ستخسر على الأرض نتيجة التهرّب، لا أحد يستطيع دفع هذه الأرقام، ليس هناك دعم بالمشتقات النفطية ولا بالغاز، والرواتب لا تعيش أسبوعين.

هذه المخاوف ليست مجرد تكهّنات، بل هي نتاج طبيعي لمنظومة دخل لا ترتفع، وسوق أسعار يرتفع بشكل متواصل، وتكاليف معيشة باتت خارج قدرات المجتمع.

قراءة اقتصادية أولية في قرار رفع التعرفة

تقول الحكومة إن رفع التعرفة خطوة ضرورية لأسباب عديدة، منها:تخفيف الهدر وتوجيه الدعم لمستحقّيه، تشجيع الاستثمار في قطاع الطاقة، إصلاح الشبكات المتهالكة وغيرها من أسباب، لكن المواطنين العاديين، يطرحون سؤالاً منطقياً:كيف يُرفع السعر، بينما الخدمة نفسها لا تزال تعاني من ساعات طويلة من الانقطاع؟، فالمنطق العام يقول: الخدمة تتحسّن أولًا، ثم يُرفع سعرها. أمّا رفع السعر في ظل انقطاع طويل، فإنّه يتحوّل من “إعادة هيكلة” إلى “عبء صريح”.

إعادة بناء جذرية

وفي السياق ذاته أكد الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور إبراهيم نافع قوشجي لـ”الثورة” أن قطاع الكهرباء في سوريا يواجه حالة من التهالك الشامل، تمتد من محطات التوليد إلى أبسط أدوات الإنارة، ما يستدعي إعادة بناء جذرية تتجاوز تكلفتها 40 مليار ليرة سورية، مع عجز الخزينة العامة عن تمويل هذا التحول، جاء قرار رفع أسعار الكهرباء كخيار اضطراري، لكنه يكشف عن فجوة كبيرة في العدالة الاجتماعية بين مختلف الشرائح والاستخدامات.

أبعاد الأزمة بين الاقتصاد والمجتمع

أوضح الخبير قوشجي أن رفع التعرفة الكهربائية أدى إلى مخاوف حقيقية من ارتفاع أسعار المنتجات والخدمات، خاصة في ظل تراجع القدرة الشرائية واستمرار التضخم، فالكهرباء ليست مجرد خدمة منزلية، بل هي عصب الإنتاج والتوزيع، وأي زيادة في تكلفتها تنعكس مباشرة على السوق بأكمله.

وأضاف رغم وجود دعم للشريحة الأولى من المستهلكين فإن السعر الجديد يبقى مرتفعاً نسبياً مقارنة بمتوسط دخل الفرد الذي لايتجاوز 50 دولاراً شهرياً لدى الكثير من الأسر.

هذا التفاوت يهدد بتآكل الدخل، خصوصاً في فترات الذروة، ويؤدي إلى خلل في التوازن بين الإنفاق والدخل، مالم تعالج هذه الفجوة بسياسات متكاملة تعيد الاعتبار للقيمة الحقيقية للنقود، وتخفض تكاليف المعيشة في مجالات: السكن، الصحة ، النقل، والتعليم.

المواطن ينتظر أبسط الحقوق

ويؤكّد الخبير قوشجي أنه في ظل هذه التحديات تبرز الحاجة إلى حزمة السياسات التخفيفية، منها:

توسيع مظلة الدعم لتشمل الفئات الأكثر هشاشة. تقديم حوافز للمشاريع الصغيرة، ودعم الاستثمار في الطاقة البديلة رفع الحد الأدنى للأجور تدريجيًا بما يتناسب مع تكاليف الحياة المتزايدة. وختم بأن أزمة الكهرباء في سوريا ليست مجرد مسألة تقنية أو مالية، بل اختبار حقيقي لقدرة الدولة على تحقيق التوازن بين العدالة الاجتماعية والاستدامة الاقتصادية، ويتطلب ذلك إعادة ضبط منظومة الأرباح بشكل عادل، كي لا يتحمل المواطن وحده تكلفة هذا التحول الصعب.

عنوان لوضع معيشي

في الشتاء، البرد ينخر العظام في كثير من البيوت، فالتدفئة تحتاج كهرباء أو مازوت، والمازوت سعره عالٍ، والغاز سعره عالٍ أيضًا، وإذا ضعفت الكهرباء، فكل الحلول البديلة تصبح أصعب وأغلى، التلميذ يحتاج ضوءًا للدراسة، والموظّف يحتاج تشغيل الأجهزة، والبيت يحتاج الثلاجة، والغسالة، والمدفأة، هذه ليست رفاهيات، بل مقومات حياة،

قضية الكهرباء اليوم ليست مسألة أرقام وفواتير فقط، بل هي عنوان لوضع معيشي كامل، ولتوازن مفقود بين دخل يتآكل وأسعار ترتفع، ومع أن الإصلاح الاقتصادي قد يكون مطلبًا ضروريًا لأي دولة تسعى للنهوض، فإن الإصلاح الحقيقي لا يبدأ من جيب المواطن الفقير، ولا يُبنى على فرضيات غير واقعية عن قدرته على الدفع.

آخر الأخبار
مؤتمر"COP30 " فرصة للانتقال من التفاوض والوعود إلى التنفيذ  تصنيع العنب مصدر دخلٍ مربح للعديد من الأسر الريفية في طرطوس استراتيجية جديدة لفتح أبواب التجارة العالمية وتحقيق الاستقرار الاقتصادي الليرة أمام اختبار جديد.. وارتفاع الأسعار يثقل كاهل المواطنين من الأمازون .. دمشق تسعى لكسر الجمود بـ ورقة المناخ  إقبال للشباب في اللاذقية على تعلم المهن واللغات مؤسسة نقل الركاب بطرطوس.. خدمات مستقرة وخطط تطوير مستمرة 12,6 مليار ليرة مبيعات "الأعلاف" في القنيطرة سوريا تفتح أبواب الاستثمار التعديني للشركات التركية أربع بواخر قمح ترسو في طرطوس لتعزيز الأمن الغذائي سوريا الجديدة.. من "دولة معزولة " إلى شريك للغرب في مكافحة الإرهاب استقبال الشرع المرتقب بالبيت الأبيض.. مرحلة جديدة وإنجاز سياسي لدمشق محددات أساسية لـلتعافي الاقتصادي وإنهاء الجمود الإنتاجي دمشق بعد الجدل.. انفتاح ليلي مشروط يوازن بين راحة السكان والأسواق ابراهيم علبي: سوريا تعيد صياغة حضورها الدبلوماسي وتؤكد انفتاحها على الشراكات الدولية للمرة الثامنة خلال شهرين.. قطع الكبل الضوئي بين دمشق و القنيطرة إعادة تأهيل مبنى مديرية الرياضة والشباب بدير الزور معارض حلب الشبابية فرصة لدعم المشاريع الناشئة افتتاح قسم التنظير الهضمي في مستشفى حلب الجامعي محافظ إدلب يطّلع على الواقع الخدمي والتعليمي في قرى جبل الزاوية