الثورة – جاك وهبه
في سعيها نحو تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز قدرتها على مواجهة التحديات الاقتصادية الإقليمية والدولية، تتبنى سوريا الجديدة استراتيجيات مبتكرة تتضمن تطوير البنية التحتية الذكية والتحول إلى الحكومة الرقمية، مع التركيز على تعزيز التكامل الإقليمي.
هذا التوجه يمثل جزءاً من رؤية استراتيجية تهدف إلى تحقيق السيادة الوطنية وتعزيز الاستقرار الاقتصادي، بما يضمن أن كل استثمار يُضخ في البلاد يسهم في خدمة مصلحة الشعب السوري وتحقيق رفاهيته، فمن خلال بناء شبكة من الأنظمة الرقمية المتطورة، تعتزم سوريا استثمار التقنيات الحديثة في مختلف القطاعات لتطوير الخدمات العامة، تعزيز الكفاءة الحكومية، وتحقيق الشفافية في المعاملات المالية والتجارية.
نقلة نوعية
إحدى الخطوات المهمة في هذا الإطار هي انضمام سوريا إلى منصة “بُنى”، التي تمثل نقلة نوعية في تحسين النظام المالي الوطني وتعزيز التكامل مع النظام المالي العربي والدولي، ويعكس هذا التوجه التزام سوريا بتطوير بنيتها التحتية الرقمية على أسس حديثة، بما يتماشى مع أفضل المعايير الدولية في مجال الأنظمة المالية والمصرفية. وتعد منصة “بُنى” نظاماً إقليمياً للمدفوعات، وهو عبارة عن منصة مركزية متعددة العملات تمكن المؤسسات المالية (بما في ذلك البنوك التجارية والمركزية) من إرسال واستلام المدفوعات عبر الحدود في جميع أنحاء المنطقة العربية وخارجها، بالعملات العربية والعالمية الرئيسية. وكان قد أطلق صندوق النقد العربي هذه المنصة لتقديم خدمات المقاصة والتسوية بالعملات العربية والدولية التي تستوفي معايير الأهلية لتصفية وتسوية المعاملات المالية العربية البينية، بالإضافة إلى المعاملات بين الدول العربية وشركائها التجاريين الرئيسيين.
تطوير النظام المالي
في هذا السياق، أكد الخبير الاقتصادي فاخر قربي في تصريح خاص لصحيفة الثورة أن انضمام سوريا إلى منصة “بُنى” يفتح آفاقاً واسعة لتحسين النظام المالي السوري وتعزيز استقرار الاقتصاد الوطني. وقال قربي: “انضمام سوريا إلى منصة “بُنى” يمثل خطوة استراتيجية نحو تحديث وتطوير النظام المالي للبلاد، فمن خلال هذه المنصة، سيتمكن النظام المالي السوري من التعامل مع المعاملات المالية بشكل أسرع وأكثر كفاءة ما يعكس التزام سوريا بتطوير بنيتها التحتية المالية بما يتماشى مع المعايير العالمية، وسيكون لهذا الانضمام تأثير كبير على الأداء الاقتصادي والمالي للبلاد، حيث سيسهم بشكل مباشر في تعزيز قدرة سوريا على الاندماج في النظام المالي الإقليمي والدولي”.
وأوضح قربي أن منصة “بُنى” ستسهم بشكل فعال في تسهيل المدفوعات عبر الحدود بين سوريا ودول المنطقة والعالم، ما سيعزز التجارة الدولية ويخفض التكاليف المرتبطة بالتحويلات المالية، وقال: “من خلال هذه المنصة، سيتم تسريع عمليات الدفع، ما يوفر بيئة آمنة وفعالة لتنفيذ المعاملات المالية بين الشركات والدول، وهو ما يعود بالفائدة على الاقتصاد السوري بشكل عام”.
وأشار قربي إلى أن انضمام سوريا إلى هذه المنصة يُعد خطوة استراتيجية نحو تحديث النظام المالي في البلاد، ليتماشى مع التطورات الحديثة في المعاملات المالية الدولية، وأضاف: “سوريا بحاجة إلى تحديث أنظمة الدفع لتواكب التطور السريع في التكنولوجيا المالية، وهذا الانضمام يمثل خطوة مهمة في هذا الاتجاه، فمع تزايد الاعتماد على المدفوعات الرقمية والتقنيات الحديثة في المعاملات المالية، فإن سوريا في حاجة إلى التكيف مع هذا التحول لضمان قدرتها على مواكبة التحديات العالمية”.
تحويلات مالية
وعن تأثير هذه المنصة على زيادة كفاءة المعاملات التجارية، قال قربي: “من خلال منصة “بُنى”، ستتمكن الشركات السورية من خفض أوقات التنفيذ وتحسين القدرة على تتبع المعاملات التجارية، وهو ما يساهم في تقليل الرسوم المصرفية وتسهيل عمليات الاستيراد والتصدير، وهذا سيُعزز قدرة الشركات السورية على المنافسة في الأسواق العالمية ويُفتح أمامها فرصاً أكبر في التجارة الدولية”.
كما أشار إلى أن المنصة ستساعد في دعم التجارة البينية بين سوريا والدول العربية، ما يعزز الروابط الاقتصادية ويزيد من التعاون التجاري بين سوريا والشركاء التجاريين في المنطقة، وقال: “الاندماج في هذه المنصة يعزز العلاقة التجارية بين سوريا والدول العربية، ويُسهم في دفع عجلة الانفتاح الاقتصادي للبلاد على محيطها الإقليمي”.
وفيما يتعلق بتحسين تجربة العملاء، أشار قربي إلى أن منصة “بُنى” ستُسهم في تحسين التحويلات المالية للمغتربين السوريين والعائلات، وهو ما سيكون له تأثير إيجابي على مستوى معيشة المواطنين، وأضاف: “من خلال تسهيل الوصول إلى الخدمات المصرفية بشكل أكثر كفاءة، ستساهم هذه المنصة في تعزيز القدرة على إجراء التحويلات المالية بشكل أسرع وأكثر أماناً، وهذا سيسهم بشكل كبير في تحسين مستوى معيشة المواطنين السوريين داخل البلاد، إضافة إلى المغتربين الذين يعتمدون على التحويلات المالية لدعم عائلاتهم”.
تعزيز الثقة
وبين الخبير في الشؤون الاقتصادية أن منصة “بُنى” تساهم في توفير الخدمات المصرفية لعدد أكبر من الأفراد، مع خفض التكاليف المرتبطة بها، وقال: “من خلال دمج الأفراد والشركات في النظام المالي، تفتح المنصة فرصاً جديدة للأشخاص الذين لا يحصلون على خدمات مصرفية تقليدية، فهذه خطوة مهمة نحو تحقيق العدالة المالية وتوسيع قاعدة الفئات المستفيدة من النظام المصرفي”.
وأكد قربي على أهمية تقليل مخاطر العملات الأجنبية، مشيراً إلى أن آلية “الدفع مقابل الدفع” (PvP) التي تقدمها منصة “بُنى” ستساهم في الحد من المخاطر المتعلقة بتسوية العملات الأجنبية، وأضاف: “هذه الميزة تُسهم في تعزيز الثقة في النظام المالي السوري، ما يُتيح للشركات والمستثمرين مزيداً من الأمان عند إجراء التعاملات المالية عبر الحدود، كما أن هذه الثقة تُعد عنصراً حاسماً لجذب المزيد من الاستثمارات في الاقتصاد السوري”.
وبذلك، تتكامل رؤية سوريا الجديدة نحو الحكومة الرقمية مع جهود تحديث القطاع المالي، ما يُسهم في تعزيز السيادة الاقتصادية للبلاد عبر دمجها في النظام المالي الإقليمي والدولي، ويحقق مصلحة الشعب السوري من خلال تحسين مستوى معيشته وزيادة فرص العمل والاستثمار.