الثورة- أديب مخزوم:
اتخذت مديرية تربية دمشق قراراً بتسمية المركز التربوي للفنون في منطقة ( الزاهرة الجديدة ) باسم الفنان الرائد محمد ناجي عبيد، الذي رحل في 14ـ 3 ـ 2019 عن عمر مديد تجاوز المئة عام، بعد مسيرة فنية حافلة ،
قدم خلالها مئات المعارض الفردية والجماعية . فقد كان وعلى مدى أكثر من ثمانية عقود، يلتقط ثمرات جهده في البحث عن لوحة تمثله وتمنحه خصوصية، متجهاً بشكل تدريجي نحو اعادة صياغة الأجواء الشعبية والزخرفية والحروفية والإيقونية وغيرها، بنزعة تبسيطية واختزالية، ومهتماً بنقل الالوان الصريحة والعفوية الى اللوحة بتقنياتها المختلفة والمتنوعة .
فمع اكتشافه لجماليات صياغة موضوع المرأة بعيونها الكحيلة، أدخل عليها عناصر زخرفية عفوية متحررة، ويكفي أن نقول: إن الزخرفة العربية، كانت تميل في الماضي، إلى تأكيد الدقة الهندسية والصفاء اللوني، وتهتم بمسألة التتابع والتناظر، ولهذا فمن المسلم به بالنسبة لنقاد الفن الحديث، القول إن التجارب التشكيلية الزخرفية الحديثة والمتحررة، قد شهدت النور في أعمال الفنانين الزخرفيين العرب المحدثين، وناجي عبيد من الفنانين الرواد الذين ساروا في هذا الاتجاه، حيث قدم في لوحاته المرأة المحلية من خلال الزخرفة العفوية والمتحررة من التناظر والتتابع الزخرفي الهندسي.
هكذا تداخلت الخامات والزخارف، مع المرأة السورية وعناصر التراث، في لوحاته في كل مراحله الفنية، وهذا يقدم خير دليل على عمق التراث العربي، المهدد في بعض جوانبه بالضياع والاندثار، وقدرته على التجدد والإنبعاث والتواصل مع الأجيال الفنية المتعاقبة.
فقد ساهم الفنان الراحل محمد ناجي عبيد في إعادة الاعتبار للعناصر التراثية التي تتعرض للزوال، وتكاد تنقرض، بعد أن تآكلت وسودتها مسحات من غبار أزمنة الإهمال والنسيان، فالمحافظة على روح وعمق هذه الزخارف والأجواء الشعبية المتوارثة منذ قرون موجود في معظم لوحاته الحديثة، وهي تعطي المساحة المزخرفة مزيداً من البريق والإتقان والحيوية، ومعه استمرت خطوات انتاج أعمال منفصلة عن الأعمال الحرفية والاستهلاكية والسياحية، حيث أخذ العمل شكله الجمالي المبتكر بعد أن منحه ثراء وبراعة ورشاقة في الصياغة، ولهذا يمكن القول: إن المساحة المزخرفة، تكتسب أهميتها في لوحاته من حيوية تشكيلاتها وبريق ألوانها وعناصرها التراثية الحية والمتجددة، هذه هي اللمسة السحرية التي تخطف الأبصار حين تتحاور الألوان العفوية عبر البنى الزخرفية المتجددة ، ولاسيما أن كل تفصيل صغير من الزخارف العربية هو بحد ذاته لوحة تجريدية حديثة ومعاصرة.
ويمكن للأوروبي أن يعجب بالفنون الزخرفية والخطية وسواها، والتي تغذي طروحات الحداثة وتمنحها حيوية مستمرة ومتجددة، كما يدهش الأجنبي بالفنون الشعبية الأصيلة، التي لها علاقة بمنطلقات الفنون المعاصرة، والتي توازن بين الطرب الإيقاعي اللوني والهندسي، وصولاً إلى أعمال الموزاييك الشرقي التي شكلت هي الأخرى مصدر إلهام للفنان الراحل ناجي عبيد.