الملحق الثقافي- رفاه الدروبي:
طرقنا باب المثقفين لنسألهم عن دور الغرب في الهيمنة الثقافية والفكرية فخطَّت أقلامهم عصارة فكرهم حول القضية.
تغيير الأدوار ومنظومات القيم
الناقد أحمد علي هلال أفاد بأنَّ السؤال مركَّب يستبطن انزياح المركزية الثقافية الغربية، قياساً على ما يجري في المشهد العالمي، أي باتجاه تعدُّد الأقطاب وتفكُّك الهيمنة الثقافية الغربية، واقع الأمر أنَّ الهيمنة ذاتها تتجدَّد بشكل أو بآخر عبر استثمار الثورة التقنية في العالم وتغيّر الأدوار، وتعني تغيُّراً في منظومات القيم الجديدة، وإطلاق ظواهر تتزيَّا بزي الثقافة ظاهرياً لكنَّها تخفي في أقنعتها هيمنة أنساق جديدة في التفكير والسلوك، ربما لأداءات الأدوار عبر آليات استشراق جديدة حوَّلت العالم كما يعرف إلى قرية صغيرة ومع نبوءات آرنولد شبلغنر في أطروحاته المعرفية والتاريخية وتهوّر الحضارة الغربية، ومع ما بشَّر به الروائي كولن ولسن، أي سقوط الحضارة.. ويمكن الوقوف عند إرهاصات هيمنة مختلفة تتطيَّر من أدوارها القديمة، اختراقاً وتفكيكاً للثقافات الأخرى.. وبطبيعة الحال نقف أمام مشهديات جديدة عالمية وسياقاتها، تعلو خطابات الهويات والخصوصيات، وتراجع المركز لمصلحة الهوامش، تتسع لتُشكِّل في خضم الثقافة المعاصرة نزوعاً للانعتاق والتحرُّر.. فالغرب الاستعماري لن يمارس أدواره القديمة أمام صعود خطابات ثقافية جديدة، تبحث عن شرطها الإنساني والوجودي، أمام تغوّل الأنساق الثقافية الغربية، وعربياً على الأقل، ثمَّة جدل لاستعادة أدوار الثقافة بعيداً عن أنماط الهيمنة الغربية واستعلاءاتها، وقسرها لماهيَّة إنسان الثقافة بفعل الحاجة إلى التنوير ارتبطت الحاجة بسياقات تاريخية، بين خفوت وعلو، مع انكشاف أهداف الهيمنة ويقظة الوعي الجمعي لما يستهدف الشرق العربي، ربما تنجح مقاربة تغيُّر ذاته، وبطيء نوعاً ما، في قراءة موضوعية، لخطابات الانفكاك من داخل وخارج الثقافة الغربية، وستبدو غير متماسكة داخل نسيجها الفكري، ما خلا صلابتها الهشة، أمام من يستهلكون في بضاعتها وأنماط تفكيره، وستضمر الأسئلة في السياق ذاته جواباً ممكناً غير متعجل، يقول: إنَّ الرهان على الثقافة بات فاشلاً ليس بفعل الرغبة وإسقاطها بل بفعل ممكنات موضوعية داخل نسيج الثقافة المهيمنة والاستعلائية وإنَّ تغيَّرت أقنعتها ورمزها، وبالعودة إلى ما كتبه المفكِّر إدوار سعيد في كتابه «الثقافة والإمبريالية» سيتأتَّى لنا أن ننظر داخل سياقات الثقافة الغربية بنماذجها الدالة لنستخلص متعاليات الاستشراق وأفوله، بفعل أشكال مقاومته، ورفضه لهما، لكن سؤالاً كبيراً يطرح نفسه حول دورنا الثقافي، وأيَّة مقومات سنمتلكها لنستعيد شرطنا الحضاري، وخصوصيتنا الثقافية كي نعطي للثقافة العربية مدلولها بعيداً عن أنماط الاستهلاك، أي لننتج معرفياً دوره؟ الأسئلة الجديدة تعني الهوية والكينونة قبل أن تتجلى في إبداع الثقافة عبر أجناس الأدب والفنون، سؤال سيعبر إلى الوعي ومنه، حداثة التفكير والفعل والإنتاج واستكمال دورة حضارية غائبة أو مغيّبة، كي نستعيد أدوارنا بفعل عقل نقدي فاحص، ستشكِّل إرهاصات التشظي للهيمنة الثقافية الغربية نوعاً من التحدي والاستجابة، نحتاج إلى انتظار النتائج وقتاً غير قليل وباستنفار عوامل الاستنهاض بفعل قراءات ومراجعات فكرية من أجل ألّا نقول إنَّ ثقافتنا ليست بخير أو مازالت بخير ولكن هل تسطع شمسنا بجديد على الغرب ما رأت ذات يوم المستشرقة الألمانية زيغريد هونكة؟
للثقافة العربية حضورها
مُقرِّر جمعية الشعر في اتحاد الكتَّاب العرب جهاد الأحمدية رأى أنَّ للثقافة العربية حضوراً ليس قليلاً ولاسيما في مجال الشعر لأنَّه جنس أدبي يعتمد على الموهبة، ومقومات ثقافية متعددة لها ثوابت وأسس، ولايمكن الاستغناء عنها، فالشعر له دور كبير في الحفاظ على ثوابت المجتمع وقام بفعله في نقل كثير من الحضارات العربية حاول المروِّجون للثقافة الغربية الوصول إلى حدٍّ ليس معقولاً أن يبدِّلوا الحضور الشعري بأشكال أخرى تحمل الاسم ذاته وتخرب القيمة الحقيقية له، وأنَّ الأمر كان خطيراً فلا يمكن أن يكون من هدفه نظراً لقوة الشعر وقدرته على الاستمرار والبقاء.
كما بيَّنت الشاعرة والأديبة أسمهان الحلواني أنَّه مادام يتداول مصطلح الهيمنة الغربية الفكرية والثقافية.. ولطالما كان المجتمع الشرقي لقمة شهية يتشهى الغرب ابتلاعها وملء بطونهم من مقدراتها و مذاقاتها المتنوعة منذ أن غزا بلادنا إبان الحرب العالمية الأولى وبعد فترة طويلة من الهيمنة العثمانية، شرع بالتقسيم تمهيداً لفرض هيمنته، وقام بالعديد من الممارسات كمحاربة اللغة وفرض مناهجه و لغته وتحية علمه، كما عمد إلى قتل المفكرين والتضييق على المثقفين والرموز الوطنية، وحاول استجرار الفئة الشبابية إلى الثقافة الغربية والإباحة في محاولة لطمس ما تغنى به أبناء حضارتنا الإنسانية من موروث غني عبر الأجيال استمرت محاولات التشويه كالنهب وسرقة الآثار والاتجار غير المشروع بها وتزييف بعضها في مخابرهم الخاصة لتغيير هوية المكان و تاريخه، كما عمدوا إلى تدمير المواقع المهمة أو إلحاق الضرر الكبير بها، متسائلة: هل حقاً نجحت الهيمنة الغربية الثقافية على فكرنا؟ رغم انبهار العديد من أفرادنا بالثقافة الغربية وترفع شعارات مناصرة حقوق الإنسان والحفاظ على الحريات الشخصية ومحاربة العنصرية و إبداء الرأي و و و …و رغم غزوها لنا في عقر دارنا من خلال ثورة الرقمنة والشاشات الزرقاء والهواتف الذكيَّة وامتداد شبكاتها لاقتناص فرائسها أفكار الشباب إلا أنَّ الكثيرين وعوا فكرة قناع يرتديه الغرب وما يخفي خلفه من مقاصد حقيقية طامعة تستهدف فكرنا الثقافي وتسعى لجذبه وخداعه.
يدَّعون الحرية والديمقراطية
الشاعرة الحلواني تابعت قائلةً: إنَّ وراء ادعاءات الحرية والديمقراطية كلها يقبع غرب رأسمالي متوحش فأسلوبه في تعامله مع العديد من القضايا تجلَّت بتزييف وسائله الإعلامية للحقائق وتضليلها، لافتة إلى ما يحدث من انتهاكات لحقوق الإنسان بالرغم من انجذاب الكثيرين للغرب وثقافته إلا أنَّه سقط في وعي آخرين أيضاً حين رأوا ممارساته العنصرية بحق المظلومين اللاجئين، وحين فضحت مآربه من التدخُّل في سياسات الدول كالعراق وليبيا واستحالت كثير من مناطقها إلى مناطق نزاع مع مجموعات مسلحة فأين الديمقراطية؟.
كما أشارت بأنَّ من يتَّسم بالفكر النيِّر يستطيع استلهام أنَّ كلمة هيمنة تراجعت حين أدرك أنَّ جهاز التحكم المستحوذ عليه الغرب بدأ يفقد فعاليته لأنّ هناك من امتلك دفة قراره، منوِّهة بأنَّ الهيمنة نوع غير مباشر من الحكومة ذات السيادة الإمبراطورية حيث تمارس الدولة المسيطرة القيادة الجيو-سياسية على الدول المسيطرة عليها باستخدام القوة العسكرية المباشرة عند الإغريق كان يعني النوع نفسه من الحكم سيطرة دولة أو مدينة على الأخرى.. وظهر مفهوم الهيمنة الفكرية الغربية خلال القرن التاسع عشر الميلادي وتمَّ تداول المصطلح وكان المجتمع الشرقي لقمة شهية يتشهَّى الغرب ابتلاعها وملء بطونهم من مقدراتها ومذاقاتها المتنوعة.
فيما أردفت بأنَّه منذ غزو الغرب لبلادنا إبان الحرب العالمية الأولى وبعد فترة طويلة من الهيمنة العثمانية، شرع بالتقسيم تمهيداً لفرض هيمنته وقام بالعديد من الممارسات كمحاربة اللغة وفرض مناهجه ولغته وتحية علمه، كما قتل المفكرين وضيّق على المثقفين والرموز الوطنية وحاول استجرار الفئة الشبابية إلى الثقافة الغربية والإباحة والمثلية لممانعة التمدد البيولوجي على حساب التمدد البيولوجي الغربي، وفي محاولة لطمس ما تغنَّى به أبناء حضارتنا الإنسانية من موروث غني عبر الأجيال.. مؤكِّدةً على استمراره في محاولات التشويه كالنهب وسرقة الآثار والاتجار غير المشروع بها وتزييف بعضها في مخابرهم الخاصة لتغيير هوية المكان و تاريخه، كما عمدوا إلى تدمير المواقع المهمة أو إلحاق الضرر الكبير بها وتطلبت الهيمنة الغربية استخدام أدواتها للتدخل في المجتمع السوري وتفتيته بكل وسيلة ممكنة، بحيث لا يعود قادراً على مقاومة عملية نهبه.. وعملية التزوير تبدأ من تحويل التمايزات الطبيعية ضمن أي مجتمع إلى صراعات غير قابلة للحل؛ كصراع بين الرجال والنساء، والقوميات، والأديان، والطوائف، والعشائر، وصولاً إلى «حرب الجميع ضد الجميع».. فكانت المحاولات ومازالت مستمرة ولكن ؟! هل حقاً نجحت الهيمنة الغربية الثقافية على فكرنا؟.
وقالت: رغم انبهار العديد من أفرادنا بثقافة غربية ترفع شعارات مناصرة لحقوق الإنسان والحفاظ على الحريات الشخصية ومحاربة العنصرية وإبداء الرأي و و و… ورغم غزوها لنا في عقر دارنا من خلال ثورة الرقمنة والشاشات الزرقاء والهواتف الذكية وامتداد شبكاتها لاقتناص فرائسها من أفكار الشباب إلا أنَّ الكثيرين وعوا بأنَّ قناعاً يرتديه الغرب وما يخفي خلفه من مقاصد حقيقية طامعة تستهدف فكرنا الثقافي وتسعى لجذبه وخداعه.. إنَّ وراء الادعاءات بالحرية والديمقراطية يقبع غرب رأسمالي متوحش فقد أخلاقه في تعامله مع العديد من القضايا حين زيفت وسائله الإعلامية الحقائق وضللتها.
أمّا فيما يخصُّ ما يحدث من انتهاكات لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة حين صوَّر أصحاب الحق المدافعين ببسالة عن أراضيهم وحقوقهم بالإرهابيين الذين يهددون أمن المستوطنين الغازين.. واللعب على وتر تزييف الأخبار ظنَّاً منهم أنَّ وسائل الإعلام قادرة على كل شيء فيكفي ببساطة الاستيلاء على عقول البشر لفرض هيمنة تبدأ فكرياً لتطال كافة المجالات الأخرى تباعاً بالرغم من انجذاب البعض للغرب وثقافته و باعتبارهم مناوئاً لهم لاعتقادهم مصالحهم وامتيازاتهم يمكن أن يتمتعوا بها على حساب الشعوب الأخرى.
الأديبة أسمهان تساءلت أين الديمقراطية ؟؟؟ وها هم يستعملون ذات الطرق لإبعاد فكرة هيمنة جهة أخرى.. إنَّ من يتسم بالفكر النير يستطيع استلهام أنَّ كلمة هيمنة تراجعت حين أدرك أنَّ جهاز تحكم استحوذ عليه الغرب بدأ يفقد فعاليته لأنَّ هناك من امتلك دفَّة قراره إنَّها حقيقة اجتمعت فيها أعظم قوتين تجتاحان العالم أي مناهضة السلطة القائمة في الغرب وعودة آسيا إلى الساحة كي تمكّن الصين من تأدية دور قيادي عالمي.. ظهر الأمر في دافوس، خلال تدخل بكين الأخير في الصراع الأكثر جدلاً في العالم أي الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، القوة الآسيوية الصاعدة، ليس لها ماضٍ استعماري في المنطقة، بل عنصر جديد يمكنه الإسهام في حلِّ قضايا تبدو مستعصية كالقضية الفلسطينية – الإسرائيلية.. إنَّ دور الصين المميَّز والمتنامي في منطقة الشرق الأوسط يمكن أن يكون فعلاً مسماراً أخيراً يُدق في نعش التدخل الغربي وبالتالي فرض هيمنته الفكرية.
الثقافة الغربية ومساراتها الجديدة
من جهتها الأديبة نبوغ أسعد أشارت بأنَّ الثقافة الغربية بسبب ظروف تعاني منها تأخذ في بعض الأحيان أكثر ما يطلب منها وما تتوقّعه، وغريب جداً أن نرى بعض المثقفين ومنهم ذو شأن في الحضور، يستهلّون صفحاتهم على وسائل التواصل وخاصة الفضاء الأزرق «الفيس بوك» بما يخطر ببالهم من مقولات لكتَّاب غربيين دون أن يستخدموا أيَّة مقولة لكاتب عربي، لافتةً بأنَّ الثقافة تشهد ضعفاً كبيراً بتناول الكتاب ما أدَّى إلى ترك المجال لتسريب ما يريده الغرب من خلال العلاقات الإلكترونية. والجدير بالذكر أنَّ ما يتسرَّب ليس له أيُّ شأن مفيد يمكن أن يؤثِّر على شخصية الفرد فيسبِّب ضعفاً كبيراً في ثقة المجتمع بنفسه، ويتطلب عودة كبيرة للكتاب الورقي باعتباره الدرع الواقي.
بدورها الشاعرة ليلى غبرا رأت بأنَّ الثقافة الغربية اتجهت إلى مسارات غير إنسانية في أهدافها، وراحت ترسل للآخرين غير ما تنشره في مداراتها، وتدَّعي المحبة والعمل على التعاون؛ ولكن في الواقع تعمل على تشويه ما يعمل لأجله الآخرون وخاصةً العرب في مجال العبث بثقافة الماضي ومحاولة إلغاء سيرها ولكن من الواضح أنَّ شعبيتها تراجعت كثيراً مع تراجع حضور الفعل الثقافي ولعبت من خلاله دوراً كبيراً في الثقافة الإلكترونية ومنها الهابطة.
تفوق سياسي واقتصادي
فيما لفتت الشاعرة طهران صارم بأنَّ للهيمنة السياسية سبباً للتفوق السياسي والاقتصادي ويفرض الغرب حضوره وتأثيره في أزمات العالم، أما الهيمنة الثقافية فلكل شعب ثقافته الخاصة المتميزة عن غيرها من الثقافات إلا أنَّ تأثير الغرب في ثقافة الشعوب الأخرى يتمظهر من خلال وسائل الاتصال والتكنولوجيا الناقلة لثقافة الغرب، طارحة مثالاً ما يروِّجه الغرب حالياً حول الذكاء الصنعي وتطوره في مجالات مختلفة، حيث من الصعب الحكم إذا كان الغرب سيهيمن في المجال ذاته أم لا، وهل ستكون الأمم الأخرى قادرة على تجنُّب تغييرات سيفرضها التطور نفسه، وهل ستصمد الثقافات الأخرى أمام التقدم والخطوات المتسارعة للغرب في المجال ذاته؟ وأضافت بأنَّ شعور النقص لدى شعوب الدول النامية أو شعوب العالم الثالث تجاه الحضارة الغربية جعلها فريسة سهلة تتخلى عن أصالتها وتبدأ بالتقليد الأعمى، آخذة عن الغرب ثقافته دون الاهتمام بطبيعة تناقض تفرضه البيئات وخصوصية الجغرافيا والإيديولوجيا ما يجعلها تذوب في بوتقة الثقافة الغربية متخلية عن وجهها الحقيقي، وبنفس الوقت تكون غير قادرة على أن تحجز لها مكاناً في الثقافة الأخرى.
ورأت أنَّ الاطلاع وتلاقح الثقافات مسألة مهمة جداً للتطوّر وولادة مفاهيم جديدة؛ ولكن حين تشعر بعض الثقافات بدونيتها «شعوراً خاطئاً ناجماً عن سياسات خاطئة» فإنّ التلاقح سيكون كارثياً عليها وعلى هويتها الثقافية.
العدد 1149 – 27-6-2023