السياحة الثقافية في اللاذقية.. وجهة عالمية ورافد للاقتصاد الوطني

الثورة – تحقيق لمى يوسف:

 

السياحة الثقافية عامل جذب نوعي، له انعكاسات إيجابية على الاقتصاد الوطني، والتراث الحضاري، ورفع مستوى الدخل الفردي للمواطن السوري.. وسنحاول من خلال هذا التحقيق إيضاح مفهوم السياحة الثقافية، وكيف يمكن أن تصبح محافظة اللاذقية وجهة عالمية، مع تناول الفرص التي توفرها مفرداتها الأثرية والتراثية في مجال هذه السياحة، من خلال الحديث مع اختصاصيين، وخبراء.

رافد اقتصادي

وعن تفعيل السياحة الثقافية في اللاذقية وأهميتها لتكون وجهة ثقافية عالمية التقت صحيفة الثورة بالباحث الأثري الدكتور بسام جاموس، مستهلاً حديثه بتوضيح مفهوم السياحة الثقافية.. هي رحلات استكشافية لحضارات وثقافات الشعوب، منها داخلية ومنها خارجية، لها أهداف هامة ثقافية علمية وتعليمية وتربوية اقتصادية، ترفد وتدعم الدخل الاقتصادي الوطني.

ويتابع: سوريا مهد الحضارات وأرض الديانات، يوجد فيها أكثر من عشرة آلاف موقع وآبدة أثرية، لذلك قال عنها العالم الفرنسي أندريه بارو “لكل إنسان متمدن وطنان، وطنه الأصلي وسوريا”، كما قال عنها العالم الأثري الأميركي هارفي وايس: “لمعرفة تاريخ الكون ينبغي أن نعرف تاريخ سوريا أولاً”.

وأضاف جاموس: إن اللاذقية من أهم وأغنى بقاع العالم جغرافياً، وتاريخياً، وأثرياً، وطبيعياً، وتشتهر بأهم المواقع والأوابد الأثرية المدنية والتاريخية، وتعرف بأنها متحف في الهواء الطلق.

مملكة أوغاريت

ومن أشهر مواقعها عالمياً “مملكة أوغاريت” التي تقع شمال اللاذقية، وقد ورد اسمها في النصوص المسمارية القديمة، وذكرها أرشيف مملكتي ماري وإبلا، وفي نصوص تل العمارنة المصرية وتعني الكلمة Ugrt – أوجارو الحقل المحروث من أشهر معالمها “البوابة الرئيسة، القصر الملكي، الشارع الرئيسي، منزل التاجر أورتينو، مكتبتا راشابو وربانو، المدينة العليا والسفلى”.

وأهم مكتشفاتها “الأرشيف الكتابي وخاصة الأبجدية والنوتة الموسيقية، تماثيل الآلهة ايل وبعل وعشتار، الأواني الفخارية والاهتمام بالاسطوانة، والأواني البرونزية، قوالب لصنع الحلويات، وأخرى لصنع الحلي، ولصب السبائك النحاسية” التي تتكامل مع بعضها لتعطي صورة عن درجة التطور الحضاري التي كانت تعيشها مملكة أوغاريت، التي قال عنها عالم اللغويات الفرنسي شارل فيروللو: “الشعب الذي أنتج الأبجدية بهذه الأعجوبة يستحق من العالم كل الاحترام والتقدير”.

قلعة صلاح الدين

أما “قلعة صلاح الدين- سيغون” الواقعة في منطقة الحفة فقد تم تسجيلها عام 2006 على قائمة التراث العالمي، وتعد درة معمارية دفاعية، وحصناً منيعاً، واشتهرت بهندستها المعمارية، فهي تنتصب على الجروف الصخرية المطلة على الوديان العميقة التي تشكل سوراً هاماً لها، ومن أشهر معالمها: “البوابة، المسلة الحجرية، الأبراج، بقايا الكنيسة، الأسوار، الجامع، القصر، الحمامات..”يضاف إليها الكثير من المواقع والأوابد كرأس ابن هانئ، مصيف أم ملك، أوغاريت، عمشتمرو، رأس البسيط، وهو من أهم التلال الأثرية على شاطئ البحر.

وبين د. جاموس أن السياحة الثقافية تعتبر بديلاً عن النفط مستقبلاً إذا عرفنا كيف نستثمرها، لأنها مرآة وهوية الشعوب، ومن أهم فوائدها وأنواعها المحافظة على التراث، وتنمية الحس الوطني والقومي، كونها تسهم في الدعم الاقتصادي الوطني وتحفز نمو الاقتصاد والتنمية المستدامة، كما تنشط المجالات العلمية التعليمية، التربوية الاجتماعية والفنية، وتعرّف العالم بتراث الأمة.

تسويق وترويج

وعن كيفية تنشيط وجذب وتفعيل السياحة الثقافية لخصها د. جاموس بقوله: يتم تنشيط السياحة الثقافية من خلال التضافر والتعاون بين المؤسسات الحكومية والمجتمع المحلي، مع تطوير الصناعة السياحية وتوفير كل سبل ومستلزمات السائح، إضافة إلى تقديم الدعم الفني والتقني والتسويقي بالتنسيق مع الجهات المعنية والمؤسسات المختصة، ودور الوزارات كالثقافة والإعلام والسياحة.

ويتم الترويج للسياحة الثقافية من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام العام والخاص، وشركات الإعلان، وإدراجها في المناهج المدرسية، كما الاهتمام بإعطاء دور للسفارات الخارجية للتعريف بتلك الآثار والأوابد التاريخية عبر الدعاية والإعلان، وتوفير البروشورات عن تاريخ وآثار سوريا بهدف الجذب السياحي، بالإضافة إلى زيادة عدد الأدلاء السياحيين وفتح مكاتب لهم، وتأهيل المواقع والأوابد، وتأمين الخدمات اللازمة وتوفير وسائط النقل لكل تلك المواقع، وتشجيع طلاب المدارس والجامعات لزيارتها وإقامة رحلات إلى المتاحف التي تحتضن الكثير من المكتشفات واللقى التي تنتمي لعصور سابقة.

وختم بالقول: السياحة الثقافية هي التي تهتم بثقافة وحضارة الأمم ونمط حياتهم وعاداتهم وتقاليدهم، وما قدمه أجدادهم وآباؤهم من إنجازات.

الفكر الإنساني

تحاكي الأوابد الأثرية كل ثقافات الشعوب التي مرت بها، أو جاورتها لتتلاقح معارفها الإنسانية من فنون وآداب وعادات وتقاليد.

عن نمو الفكر الإنساني في المواقع السياحية، قال مؤسس جمعية الشراع الأثرية أ. أحمد داؤود: انطلقت أولى الأبجديات من ساحلنا السوري العريق إلى العالم، والتي أضافت للتاريخ بريقاً من نور وعلم وعلوم ومعرفة، ومن هنا لا بدّ من الإشارة إلى أهمية السياحة الثقافية في ندواتنا وأنشطتنا التي نتبارز من خلالها بكل مفاصل الأدب وفنونه وعلومه ومعانيه.. وبالدلالة على ماضٍ كان حاضراً بيننا إلى يومنا هذا.

ويضيف: إننا بذلك نثبت ماهية تلك الحضارة وأهميتها في نمو الفكر الأدبي الإنساني لدى كل الشعوب، وبها نشير إلى أهمية المواقع السياحية بإقامة بعض النشاطات على أرض الواقع في زمان ومكان تولى نضوج الفكر الحضاري والأبجدي، وهذا ما يجب أن نعمل به، من خلال تلاقي الشعراء والأدباء والفنون والرسم والنحت، الغناء والرقص الفلكلوري، وغيرها من الفنون التي تجتمع تحت مظلة الموقع نفسه، كموقع رأس شمرا مثلاً، أو المتحف الأثري بمدينة اللاذقية، وبهذه النشاطات نستطيع أن نعطي الشرح الأعمق والأكبر عن آثارنا ودورها التاريخي في نشر لغة المحبة والسلام بالعالم برمته، وفي الوقت ذاته تترافق معها النشاطات السياحية التي نستطيع عبرها أن نلفت نظر الأدباء والشعراء والفنانين بكل توجهاتهم الفنية، ومن كل البلدان والمجتمعات المدنية لزيارة مدينة اللاذقية، وإلقاء الضوء على معالمها الأثرية وتراثها الحضاري المادي والمعنوي، والذي نستطيع من خلاله استثمار تلك المواقع سياحياً وفنياً وأدبياً وعمرانياً، ما يساعد على نمو السياحة العالمية والعربية عبر الحضور المثمر في مدينتنا وبلدنا الجميل.

التراث اللا مادي

يستمتع السياح بالتقاط صور التراث اللامادي في البلدان التي يقصدونها، إذ يمثل هذا التراث هوية الأجيال المتراكمة عبر آلاف السنين والتي تطورت حسب المدلول الثقافي الذي نسج طابعه من البيئة المحلية في اللاذقية، فقد اعتنى الكثير من سكان المدينة والريف بهذا التراث الغني ولا يزال رغم قلة التوثيق الحكومي، لذلك تتلاقى مفاهيم المجتمع مع ثقافته التاريخية وجذور فنونه الشعبية، وحرفه التقليدية والممارسات الاجتماعية.

عن السياحة الثقافية وأهمية التراث اللامادي تحدثت الحرفية تهامة يوسف: من الصعوبة فصل أنواع السياحة عن بعضها فكلها ثقافية بطريقة أو بأخرى حتى لو كانت الغاية منها ترفيهية، ولكن هناك سياحة ثقافية صرفة، إذ يقصد السائح مكاناً بعينه لغاية معرفية ما.

وتابعت: إن بلداننا متنوعة الجذب السياحي بالإضافة إلى الجو المعتدل والطبيعة الساحرة، جبال وغابات، صحراء وشواطئ هناك الكثير من الأماكن الأثرية التي تستجلب السياح كموقع أوغاريت (مهد الأبجدية الأولى)، والقلاع والمتاحف، ودور العبادة الأثرية (جوامع وكنائس) والأسواق القديمة، إن التراث من أهم أشكال الثقافة المستهدفة من قبل السياح الثقافيين، وغنية أيضاً بالمحميات الطبيعية البرية ضمن الغابات، أو البحرية على شاطئ المحافظة التي تستجلب السياح البيئيين ممن يستهويهم التعرف إلى التنوع النباتي والحيواني في تلك المحميات، وكذلك بلداننا غنية بالمبدعين من المسرحيين، الرساميين، النحاتين والمهنيين التراثيين الذين غزت أعمالهم العالم.

ونوهت الحرفية يوسف بالتراث اللا مادي من الصناعات الحرفية قائلة: هي صلة وصل الحضارات القديمة مع الحاضر، لذا يجب دعمها وتطويرها لتتعشق مع الحاضر بصورة أكثر حداثة كصناعة الحرير وأعمال القصب والخيزران، الفخار والأرابيسك وحياكة السجاد.

ودعت إلى إحياء المناسبات الشعبية المتوارثة وجعلها مهرجانات تستقطب المحبين من السياح، وللأطعمة التقليدية مذاق لا يمكن للذاكرة تجاوزه أو نسيانه، فمناخ بلداننا يجعل للفاكهة والخضار نكهة مميزة، كثيرة ومتنوعة، تختلف عما تنتجه المناخات الأخرى، ما يجعلها قيمة مضافة لنكهات الأطعمة في هذه المنطقة.

كل هذا وغيره من طباع أهل بلدنا اللينة المحبة أدوات تساهم في جذب السياح.

ونوهت بأنه يبقى تأمين وسائل الراحة المتعددة والمتنوعة التي ترضي كل الأذواق فالبعض يحب الفنادق الفخمة، إلا أن غالبية السياح الثقافيين يفضلون أنواعاً خاصة من الأماكن، تؤمن لهم الراحة مع حضور عبق التاريخ والحضارة.

وقد يكون للسائح غرض من سياحته الثقافية، ولكن نحن من بيده توجيه تلك السياحة نحو ما نريد، والإضاءة على ما نراه جاذباً مع إحاطة هويتنا بالعناية الخاصة.

آخر الأخبار
المطلوب إعادة التوازن.. شحّ السيولة أفقد القطاعات الإنتاجية الثقة بالمصارف الطيران المدني.. جناح لتحريك الاقتصاد ومجال رحب لفرص العمل أسعار الكهرباء في آراء المواطنين.. بين الواقع والتصريحات.. نحو آلية منظمة وتسعيرة عادلة شراكات مجتمعية لتطوير التعليم.. ترميم مدارس ودعم الطلاب المتسربين قبيل اجتماع ثلاثي مرتقب في عمّان .. واشنطن تؤكد التزامها بالسلام في سوريا السياحة الثقافية في اللاذقية.. وجهة عالمية ورافد للاقتصاد الوطني صباح الوطن الجميل من سهل حوران الفقر يتمدّد في طرطوس.. والمشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر علاج فعّال مجلس الأمن يؤكد احترام سيادة سوريا ويرفض أي تدخل يزعزع الاستقرار ألقاب وشهادات لا تعكس الحقيقة "صيف الإنجاز".. مبادرة تطوعية لتعليم 325 طالباً في كفرزيتا رابطة الصحفيين السوريين تدين اغتيال ستة صحفيين في غزة وتطالب بمحاسبة الجناة انتصارات عريضة للبرشا ونابولي والبلوز ودّياً كريستال بالاس يتوٰج بكأس الدرع الخيرية  لازيو والمهمة الصعبة في السكوديتو  فيرتز أفضل لاعب ألماني عام (2025)  تفعيل إجراءات نقل الملكية العقارية بدرعا مستشفى خيري في قلب حلب.. مبادرة إنسانية تعيد الأمل لآلاف المرضى ضمن برنامج "حاضنة الأعمال" اختيار المشاريع الأولى للرواد باراك: ملتزمون بمساعي تحقيق السلام والازدهار في سوريا