إلعب ولا تتوقف حتى تصبح بطل الأبطال.. هكذا تدعو الألعاب الإلكترونية محبيها إليها وهي تجتهد في ابتكاراتها، وما تخرج به من سيناريوهات لقصص من عوالم العنف والغموض، بل إلى متى ستظل تتنامى، وتتطور هذه الألعاب وهي تتجدد مع كل نسخة جديدة لها؟ ترى ما هي قصصها، وموضوعاتها، وأهدافها، وكيف يمكن كبحها؟
أما أنها تتنامى وتزدهر فهذا أصبح أمراً أكيداً، وأما قصصها فهي تلك التي تقوم على المغامرة، والاستكشاف في عالم مفتوح، ومنها ما يتميز بالحركة، والتشويق في فضاء ينفتح على موضوعات لا تخلو من العنف في كثير من الأحيان، وللاعب أن يحدد قراره، واختياراته خلال مسار اللعبة ليصل إلى تفاصيل النهاية التي أرادها لنفسه ليكون بطلاً خارقاً، أو ضحية ساذجة.
إلا أن هذه الألعاب لم تعد تكتف بالحيّز الذي تُستخدم فيه أي تشغيلها على حاسوب لاعبها فإذا بها تنطلق إلى أفق أوسع، وأرحب، وأكثر سهولة في الوصول إليه ألا وهو (السحاب).. بالطبع ليس هو السحاب الذي يظلل رؤوسنا بل تقنية خوادم السحابة التي تغزو عقولنا، وهي تتيح اللعب على منصاتها بطريقة جديدة، مبتكرة، ومختلفة، وكما يحلو لنا بمجرد الاتصال بشبكة المعلومات.. لتصبح فكرة الألعاب الإلكترونية أكثر اقتراباً من محبيها، وأكثر مرونة في لعبها، بل وسهولة في الوصول إليها في أي وقت، ومن أي مكان، وعلى أي جهاز ذكي، هذا عدا عن مشاركتها مع أطراف أخرى سواء أكانوا من الأصدقاء، أم من الغرباء، ودون الحاجة إلى شراء اللعبة الإلكترونية وأجهزتها الخاصة بها لأن مكتبة كاملة من الألعاب السحابية تتوافر عبر الشبكة الذكية بتحديثات مستمرة توفر كثيراً من النقود لتعيدها إلى جيب اللاعب الفرِح بلعبته السحابية.
هذه المزايا التي تستقطب إليها باستمرار مزيداً من اللاعبين تشجع مطور الألعاب على أن يطور من ابتكاراته، وتقنياته المتقدمة، ويزيد من رقعة انتشاره كلما ازدادت شعبيته، وغزت أبعد مكانٍ من عالم اليوم المفتون بالمتعة التفاعلية، والتسلية التي لا تنتهي.
أما قدامى اللاعبين فهم ما زالوا يفضلون الألعاب التقليدية التي يمكنهم تثبيتها على أجهزتهم الخاصة، واللعب بها دون الحاجة إلى الاتصال بالـ (إنترنت)، أو الاعتماد على جودة الاتصال، لأنها أكثر استقلالية، فهم ما زالوا أيضاً يحتفظون ببعض من استقلالية ذواتهم التي لم تستلبها التقنيات الحديثة بعد بالكامل.
ونحن نتساءل في ظل هذه التقنيات المتطورة: ترى ما تأثيرها على الأجيال القادمة التي اكتشفت مغامرتها؟.. هل هي ستطور من مهارات العقول، وتحفز على الإبداع، والابتكار؟ أم أن هذه الألعاب ستخرج من دائرة التسلية لتدعم الأنشطة التعليمية مستقبلاً بما يجعلها أكثر سهولة، وقابلية للفهم؟ أم أنها ستعمل على تغيير العادات الاجتماعية لدى الأجيال القادمة إذا ما أدت إلى الاعتماد الزائد على التكنولوجيا، والترفيه الإلكتروني على حساب الأنشطة الاجتماعية الأخرى؟
أسئلة مشروعة في ظل النظرة إلى المستقبل بينما التقنيات تتطور، وتتوسع، وهي تخدم وسائل الترفيه، والتسلية بما لا يقاس، وأجيال المستقبل تقف بالأبواب لتفتح كل يوم باباً جديداً على ما تقدمه المخترعات التي يدعمها العلم بتخصصاته الواسعة، والدقيقة.
ما من أحد يقف موقف الرافض للتطور لأنه يصب في النهاية لصالح البشرية في تقدمها، إلا أن ما يتطلع إليه كل عاقل هو ترشيد هذا التطور، والتقليل من الخسائر التي تعترض الطريق كحجر العثرة.. والدراسات الحديثة حول السلوك الإنساني، وعلم نفس الطفل تشير إلى أن لسحاب الألعاب إيجابيات مستقبلية على الصحة النفسية لأطفال اليوم لتجعل من مهاراتهم أكثر وضوحاً، ونماءً، وهي تؤثر على التعاون، والتواصل فيما بينهم عندما يتشاركون معاً في اللعِب إذ تساعد على التحكم في الانفعالات السلبية، وتعزز قدرات الذاكرة، وتشجع على التعلم، كذلك فهي أيضاً تعزز من الخيال، ومن القدرات الإبداعية، والابتكار عندما يقوم اللاعب بتجربة حلول مختلفة ليصل إلى النهاية السعيدة وكأنه يتمرد على صندوق الأفكار الذي حُبست نهايات اللعبة داخله ليخرج منه عندما يأتي بما هو جديد مبتكر.
مازال هناك متسع من الوقت لمزيد من الدراسات، والأبحاث لتقييم تأثير هذه الألعاب سلباً وإيجاباً سواء انطلقت من سحابة إلكترونية، أو من حاسوب يستقر فوق مكتب. والحاجة إلى مزيد من الدرس، والتحليل ما تزال ملحّة قبل أن تنتقل التقنيات في تطورها إلى ما هو فوق السحاب، وأبعد مما هو في الحسبان.