الثورة -ديب علي حسن :
ربما يمكن القول ببساطة إن عصر المثقف الفاعل قد انحسر كثيرا ولهذا أسبابه السياسية والاجتماعية وحتى الثقافية نفسها ..
سياسيا عملت الأنظمة الغربية على الحد من المثقف وسلطته فلم يعد ثمة دور كبير له كما كان مع بلزاك وفلوبير وفي القرن الماضي سارتر وكامو وارنست همنغواي ولوركا ونيرودة وناظم حكمت وغوركي وغيرهم ..
لقد تم استلاب الدور لصالح الضجيج الإعلامي.
ومع ذلك مازال من يؤمن بدورهم في صناعة الوعي والرأي العام ..لهذا كانت رسائل المفكرين إلى المثقفين الآخرين..
وهنا نذكر ادوارد سعيد وندرة اليازجي والأب اليأس زحلاوي وميخائيل نعيمة وسعد صائب وغيرهم ..
ولأننا في عصر الطغيان السياسي الغربي وصمت مثقفيه نشير إلى الرسالة المهمة التي جاءت على شكل كتاب تحت عنوان :رسالة مفتوحة إلى مثقفي الغرب وهي بقلم الدكتور محمد صالح الهرماسي يقول في مقدمتها :
ولأن الثقافة الغربية ككل ثقافة حقيقية أكثر أصالة من أن تتنكر لذاتها واعظم من أن تحولها السياسة إلى بوق للدعاية الرخيصة فإن ما يطغى عليها الآن من انحراف المتطفلين والأدعياء والمرتزقة لا يستطيع محو صورتها المضيئة ممثلة بذلك الاتجاه الأصيل الذي يسعى من موقع الوفاء للثقافة الغربية نفسها ولقيمها الإنسانية النبيلة لكسر تقاليد الخضوع لسطوة المحرمات الصهيونية وقول الحقيقة بصوت عال.
ولا بد من استذكار روجيه غارودي وغيره من المفكرين الأحرار الذين نبذوا وعانوا ما عانوا بسبب قول الحقيقة المخالفة للمعتقد الرسمي الصهيو_اوروبي فيما يتعلق بإسرائيل لأن ما يحدث اليوم هو بداية تحول حقيقي في الموقف الثقافي الغربي من إسرائيل.
اليوم يحذو الكثيرون حذو غارودي دون خوف يفعلون ذلك بحرية أكبر ما يؤكد أن إسرائيل العنصرية قد بدأت تفقد قداستها الثقافية القائمة على حادثة المحرقة النازية التي استغلتها في التخويف والابتزاز حتى صارت ويا للمفارقة المحرم الوحيد (في مجتمعات أزالت المحرمات منذ زمن بعيد) الذي يمنع على المفكر والمثقف الاقتراب منه تحت طائلة المساءلة القانونية. أتحدث عن اكل ولا أجزم أن تحققه مؤكد لأن حدوث مثل هذا التغيير النوعي والكبير في الثقافة الغربية يحتاج إلى وقت طويل كما إلى جهد تراكمي من مثقفي الغرب الأحرار وإلى جهد مماثل من المثقفين العرب والمسلمين أيضا ذلك أن دور المثقف العربي والإسلامي في توعية نظيره الغربي بحقيقة ما يجري في المنطقة وبخطأ المسلمات التي رسختها الدعاية الإمبريالية الصهيونية في العقل الغربي ما زال محدودا وقليل الفاعلية ثم إن هذا المثقف لم ينجح بعد في مخاطبة الغرب بلغته وبخطاب عقلاني وموضوعي بعيد عن التعصب ورد الفعل ومن هنا ضرورة التأكيد على أن يتحمل المثقفون العرب مسؤوليتهم كاملة في هذا المجال قبل مطالبة ثقافة الآخر بذلك.).
إنه نداء الثقافة والفكر ليس الأول ولا الأخير ولكن على ما يبدو أن ثقافة التزييف هي التي تسود العالم ولاسيما في الغرب وهذا يذكرنا بكتاب ( المثقفون المزيفون ).