أديب مخزوم:
شكلت رسومات الفنانة ومصممة الأزياء باسمة أركك مفاجأة بالنسبة لي، حين شاهدتها لأول مرة على صفحتها، وهي تقدم رسومات خاصة بالأزياء الحديثة، وبخطوط الموضة الراقية، وتتميز بليونة خطوطها وانسيابيتها وحيويتها في تجسيد الزي وثنياته وشقوقة وربطاته البارعة. وتبدو الموديلات الحديثة بخطوطها وبألوانها، في برنامج ودفتر يومياتها، وكأنها لوحات فنية تشكيلية مقتطفة من جميع مدارس الفن الحديث، لما تتخلله من تشكيلات بارعة تبحث عن عنصر جمال المرأة، ما يزيدها سحراً وحيوية وأنوثة فياضة.
ويذكر أن باسمة أركك هي شريكة الفنان الراحل فداء منصور في رحلة الحياة والفن، إلا أن حياتها سرعان ما أظلمت بفاجعة رحيله المبكر، هو الذي كان يمتلك موهبة نادرة ولا تتكرر، في الخط واللون والضوء، ومؤثرات سامية في علم الجمال الحديث، وكانت له لوحاته الخاصة والمميزة والمبتكرة، وخاصة في تجاربه التي أتبعت حركات الدوائر والأقواس.
وحين تستمر في تصميم الأزياء وتوضيح خطوطها الحديثة في رسوماتها القادرة على تحقيق عناصر الدهشة والإقناع، فهي تتابع رسالة فداء منصور الفنية، فعالم الأزياء هو ميدان فني لا حدود له، وتتاح فيه للمواهب بالظهور والبروز، لا سيما وأن رسوم الأزياء تحتاج لموهبة الرسم، ومن لا يمتلك موهبة الرسم والتلوين، لا يستطيع توضيح صورة الأزياء التي يبتكرها عبر خطوطه وألوانه. كما أن تصميم الأزياء يحتاج لثقافة، وباسمة أركك على معرفة بعالم الأزياء وأبعاده وجمالياته وتاريخه وتحولاته، حيث كان على مر كل حقبة تاريخية، يكمل دورته، ويعود لاستلهام أزياء الماضي، تماماً كاللوحة الفنية الحديثة، التي تقدم التشكيلات القديمة بروح حديثة ومتجددة. ويتم بشكل دائم تطوير الرسوم التي استخدمت في الماضي كتشكيلات نسيجية في بعض الملابس، وأصبحت التشكيلات التجريدية الحديثة، سمة أساسية تميز ألبسة النساء والرجال والأطفال الملائمة للحياة العصرية، والمسايرة لاتجاهات خطوط الموضة العالمية، وهو تأثير انتقل في البداية من معطيات الفن التشكيلي الفرنسي الحديث إلى الموديلات والأزياء العصرية، على يد إيف سان لوران أحد أبرز الأسماء المميزة في مجال تصميم الأزياء العصرية والحديثة.
وإذا كانت البنى التشكيلية التجريدية قد لعبت دوراً هاماً في أزياء الأمس، فهي لم تأت بهذه الجرأة التي نجدها في أزياء اليوم، حيث أصبحت تلقائية الألوان وصراحتها عنصراً أساسياً من عناصر الموضة الحديثة، التي وصلت إلينا من عواصم الموضة والأناقة والفن، واستطاعت باسمة تجسيدها عبر خطوطها وألوانها، وأحياناً بلونين أساسيين.
ونستطيع أن نرى بوضوح تأثيرات الحداثة التجريدية على أزياء النساء والرجال على حد سواء، فإذا تأملنا أزياء النساء، فإننا نجدها فسحة لاستشفاف أجواء لوحات تجريدية خالصة، فهي تتألف في أحيان كثيرة من مساحات لونية صارخة تتبادل وتتداخل بتلقائية، أو نرى مجموعة من الحركات أو البقع اللونية المرسومة بفرشاة عريضة والتي تذكرنا بلوحات كبار فناني الحداثة التشكيلية من أمثال: هارتونغ وتوبي ودوبوفيه وشنيدر ودي ستايل ومانيسييه وبنيون وبيسيير وغيرهم.
باسمة أركك من مواليد دمشق، متخرجة من محترفات معهد التربية الفنية التشكيلية والتطبيقية في دمشق، بدأ أهتمامها بتصميم الأزياء في عمر 17 ، بعد أن برزت موهبتها في مجال رسم الأشكال الصامتة، وهي تعتبر أن مجال تصميم الأزياء عندنا لم يأخذ حقه بعد ويعتبر من الرفاهيات، بدليل غياب الفعاليات التي تدعم الموهوبين في هذا المجال وتدفعهم خطوات إلى الأمام. بخلاف ما نجده في بعض البلدان مثل لبنان وإيطاليا وتركيا، حيث تجد الاهتمام الكبير به، وتضيف: بأنها شاركت في بعض تصاميمها في إتحاد مصممي الأزياء العرب, وبعض مواقع الموضة المهتمة في هذا المجال.