محمد شريف الجيوسي – كاتب أردني
بعد النيجر تحرك الجيش في الغابون فألغى نتائج الانتخابات التي جرت مؤخراً في ظل نظام سياسي موالٍ لفرنسا، وأسقط الرئيس وسط ترحيب شعبي واضح، بل وحتى من الحزب الرئيسي المعارض، مع مطالبته العسكر في آن بإعادة تسليم الحكم للمدنيين.
ويعتبر انقلاب الغابون الـ 7 خلال سنوات قليلة، في وسط وغرب إفريقيا والتي تعتبر منطقة نفوذ فرنسي، يليها الولايات المتحدة، وبالعموم فمن الواضح أن الانقلابين يأتيان على حساب نفوذ فرنسا الاستعماري الاستغلالي وليس واضحا تماما إن كانا على حساب نفوذ واشنطن أيضاً أو لصالحها بمعنى وراثة النفوذ الفرنسي، خاصة في حال لم تتحرك دول كبرى كالصين وروسيا وجنوب إفريقيا وإيران وربما غيرها لدعم الحركتين الانقلابيتين بما يحول دون فشلهما وبما يحول دون تحرك إيكواس المنقسمة على ذاتها ضدهما، وتكريس الحوار مع القيادتين الجديدتين في البلدين بديلاً عن التدخل العسكري.
و لاشك أن انقسام إيكواس المغلّف لفظياً برفض الانقلاب لفظياً، يخدم الحركتين الانقلابيتين عملياً ويمنحهما فرصة ترتيب أوضاعهما الداخلية، والحصول على دعم سياسي على الأقل يحبط إمكانية تدخل إيكواس عسكرياً أو فرنسا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ويجعل منهما أمراً واقعاً لابد من التعامل الدولي معه، خاصة أنهما تحظيان بدعم شعبي واسع وملحوظ.
إن منطقة وسط وغرب إفريقيا بقدر ما هي غنية بالثروات الأحفورية، فإنها أيضاً منطقة نزاعات وصراعات واسعة حيث تتواجد فيها العديد من الحركات الإرهابية الإسلاموية، كداعش والقاعدة وبوكوحرام وغيرها، ومن هنا فثمة مخاطر حقيقية ماثلة، من أن تستغل هذه الحركات هذه التحولات لترسيخ وجودها، أو أن تُستغل بالتنسيق مع الغرب بعامة كما حدث في ما زُعم أنه ربيع عربي، حيث تحالفت جماعات إسلامية عربية وغير عربية مع الولايات المتحدة وحليفاتها، على نحو ما هو معلوم، ثم أصبحت هذه الجماعات ذاتها ذرائع لتدخل مباشر أمريكي غربي في المنطقة العربية بحجة محاربة الإرهاب فيما هي التي صنعته ودعمته بكل أشكل الدعم، كما خدمت المصالح الغربية بما مارسته من فتن قومية ومذهبية ودينية.
ومن هنا يتوقع أن يولي القادة الجدد في النيجر والغابون، وبقية الدول الإفريقية اهتمامهم تجاه محاولات ستجري لإشغالهم في فتن وحروب داخلية لمنح المستعمر الفرنسي المتربص بهم فرصة إفشال حركاتهم، فضلاً عن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وألمانيا بل والكيان الصهيوني، وتحولها إلى ثورات ملونة، وعليهم عدم الاستعاضة عن المستعمر الفرنسي بآخر؛ الأمر الذي يحتاج الى تحالفات إقليمية ودولية، من جملتها تحييد منظومة إيكواس بذريعة الشرعية والديمقراطية، حيث يعني تدخلها عسكرياً؛ خدمة المستعمر الفرنسي والغرب بعامة.
لا شك أن الحركتين الثوريتين في النيجر والغابون اختارتا اللحظة التاريخية المناسبة للانتفاض ضد المستعمر، فالشعوب الإفريقية وعت تماماً أن الوقت حان لاجتثاث النفوذ الاستعماري من أوطانهم، فضلاً عن أن الظرف الدولي يكرس سقوط الغرب بقيادة أمريكا مع دولارها، لصالح تعددية قطبية ومعها بريكس، وهي فرصة لن تتكرر في زمن قريب إن أجهضت الآن.
ولكن ما هو المطلوب عربياً في ظل التحولين الإفريقيين الأخيرين، والتهديدات الفرنسية والغربية لهما، لا شك أنه ليس المطلوب من الدول العربية القتال إلى جانب شعبيْ النيجر والغابون (فالأمة إما مشغولة بقضاياها الداخلية لمن هو خارج النفوذ الغربي، أو بعض دولها مدمجة بمصالح الغرب وتابعة له، أو باتت تتبع منذ فترة سياسة متوازنة نسبياً بين الأقطاب وهي أفضل حالاً مما كان عليه الحال سابقاً، لكنها حالة لا تتيح لها الانحياز لصالح تحولات النيجر والغابون.
مطلوب عربياً، عدم تقديم أي خدمات مجانية للغرب الاستعماري، ولا مأجورة سواء بالقطعة أو بالجملة ولا استخدام أراضيها، سواء من قبل دول إفريقيا العربية أو آسيا العربية، وعلى الأقل إبراز سياسة المستعمر الفرنسي والغربي بعامة، في النهب والاستغلال والاستعباد والتمييز العنصري ضد الشعوب الإفريقية، وتقديم أي دعم معنوي أو لوجستي أو علمي، أو معيشي أو إنساني، لتجاوز حصارات منتظرة على الأقل، سيفرضها الغرب الاستعماري، تجاه الدول عادة التي تطمح لتحقيق سيادتها الكاملة على ثرواتها وترابها الوطني.
أقول أن للأمة العربية وأمريكا الجنوبية والوسطى وكل شعوب الأرض المستعبدة من الغرب، مصلحة أكيدة في تمكين ثورتيْ النيجر والغابون وصولاً إلى تحرير كل شعوب ودول وأمم الأرض من الاستعمار .

التالي