ديب علي حسن
لولا المشقة لساد الناس كلهم ..ترى هل يمكن سحب هذا القول على أمر آخر ولكن بصيغة ثانية مختلفة تماماً ..ماذا لو أن الإبداع ليس موهبة فطرية تنمو وتتم رعايتها وصقلها بالاهتمام بها والاستزادة من مخزون الإبداع المنجز وإعادة إنتاجه ولكن ليس تكراراً واجتراراً إنما قدرة على التجاوز والابتكار وترك بصمة جديدة في الاتجاه الإبداعي الذي يعنى به من يعمل في هذا الحقل.
كان القدماء يقترحون على من يجدون عنده موهبة الشعر أن يحفظ آلاف الأبيات ثم يعمل على نسيانه والانتقال إلى تقليدها وبعد ذلك تجاوزها إلى البصمة الخاصة به.
وكم من شاعر كان راوية وتلميذاً لشاعر آخر ثم استوت ونضجت موهبته ..
وبكل الأحوال يثار النقاش الآن حول الموهبة التي انقرضت وحل محلها ما يسمى الذكاء الصنعي أو إبداع رقمي حاسوبي عبر خوارزميات وبرامج محددة ظهر هذا في الشعر والرسم والموسيقا وغيرها.
ويشار أيضاً إلى دور مواقع التواصل الاجتماعي في الترويج لكل ما هو خارج السرب وليس إبداعاً وتحت مسميات التجديد.
أمام هذه الموجة الجديدة من الإسفاف الإبداعي
ارتفعت الأصوات تبحث وتنادي بالعودة إلى الموهبة الفطرية الحقيقية النامية في الإبداع.
وهنا يحضرنا ما قاله بيكاسو ..لقد قضيت زمناً طويلاً أحاول تعلم رسم الكبار وحين أتقنته وجدت أن الإبداع في رسم الطفولة فحاولت أن أرسم كما يرسمون فلم أستطع.
فالإبداع الطفولي هو الفطرة الحقيقية التي يجب أن تنمو ولكن شرط أن تبقى براءة الطفولة فيها.
وإلى هذا يشير غراهام كوليير في كتابه المهم؛ الفن والشعور الإبداعي. ترجمة د.منير صلاحي الأصبحي وقد صدر منذ أكثر من أربعين عاماً عن وزارة الثقافة السورية ولكنه مازال يحتفظ بجدته وقوة طرحه في الحديث عن براءة ونقاء الإبداع.
الفن في كل ألوانه كما تشير الدراسات النفسية لابد أن يحمل في طياته شيئاً من غريزة الطفولة والدهشة وإلا فهو متكلف بارد سقيم لا معنى له تنتجه حواسب آلية لا حياة فيها.