عزة شتيوي:
ليس مستغربا هذا الموقف الأميركي الشرس تجاه الفلسطينيين وتحديدا المقاومة في غزة فجو بايدن ليس أول رؤساء أميركا الذي يدعم كيان الاحتلال بل بات هناك من يقول أن “إسرائيل” هي أميركا الصغرى في الشرق الأوسط، وأميركا هي “إسرائيل” الكبرى على امتداد الولايات المتحدة الأميركية، لكن اللافت بمواقف إدارة البيت الأبيض هذا الجسر العسكري والسياسي الأميركي الذي امتد إلى كيان الاحتلال فور قيام المقاومة الفلسطينية بعملية طوفان الأقصى والتي أتىت برئيس أميركا جو بايدن ومن قبله وزير خارجيته انتوني بلينكين ليخطبا فوق دماء الأبرياء في غزة ويعلنا جهارة أن واشنطن ستقف بجانب “إسرائيل” حتى لو أبادت غزة بأكملها ؟!
لم توارب أميركا هذه المرة ولم تقدم نفسها كوسيط للسلام، وهي تدير المعركة من تحت الطاولة .. فهي تقف أمام نتنياهو وخلفه في عدوانه على غزة وتدعمه بكل الأسلحة لقتل الفلسطينيين وقضيتهم بل تشجع على نكبة ترحيلهم من جديد باتجاه سيناء مصر دون أن تلتفت حتى لموقف الدول العربية وشعوبها التي خرجت تندد أو حتى للقرارات الأممية ..فالرئيس الأميركي جو بايدن يخوض المعركة نيابة عن بنيامين نتنياهو هذه المرة وقد يحبط أي قرار من شأنه إيقاف آلة القتل الصهيونية التي أعلنت وحشيتها وسط عجز دولي مريب.
تنطلق الأسئلة من حضور جو بايدن إلى فلسطين المحتلة في ذروة المعركة ونشره لحاملات طائرات وصعوده المنبر ليعلن للعالم أنه صهيوني أكثر من الصهاينة، وان “إسرائيل” ضرورة أميركية قبل أن تكون ضرورة صهيونية، فهل جاء بايدن لينقذ نتنياهو وكيانه أم لغاية أميركية أكثر بعدا في المنطقة.
ثمة من يقول أن حضور جو بايدن يأتي من عمق الأزمة التي حلت بنتنياهو بعد الصفعة التي وجهتها المقاومة الفلسطينية لكيانه، فما قامت به الفصائل الفلسطينية المقاومة في السابع من تشرين الأول الجاري غير المعادلات السابقة، ونقل المعركة إلى العمق الصهيوني، ومرغ أنف نتنياهو الاستخباراتي بوحل الخسارات وهو يشاهد المقاومين يخلعون أبواب قلعته الاستخباراتية والعسكرية ويدخلون المستوطنات ويأسرون وينتصرون على جنوده المحتلين، ولكن المشهد مختلف بالنسبة لبايدن في رأي بعض المحللين الأمريكيين، فالظهور العلني لبايدن من قلب كيان الاحتلال له أبعاد أميركية ترتبط بمصالح الولايات المتحدة في المنطقة وتحديدا بإنقاذ مشروع الشرق الأوسط الجديد التي تسعى إليه واشنطن وتتطلع لان تكون “إسرائيل” المحتلة محوره، وبدأته منذ سنوات بإجهاض عملية السلام واحتلال أفغانستان والعراق ومن ثم اختراع ما يسمى الربيع العربي لإضعاف المنطقة، ورغم خساراتها المتتالية في هذه المحاولات إلا أنها أيضا حاولت مؤخرا ترسيخ ما تسمية الممر الهندي الأوروبي في الشرق الأوسط والذي يعتبر أكثر من مشروع شريان اقتصادي لأميركا بل هو خطوة أميركية لعرقلة مبادرة الحزام والطريق الصينية، ومبادرة طريق شمال جنوب الروسية عبر مروره من الأردن إلى كيان الاحتلال في فلسطين المحتلة وربطه ببعض الدول العربية وكل ذلك تحت سيطرة “إسرائيل” والمعضلة الكبرى الذي تواجه هذا المشروع هو ضعف الكيان الإسرائيلي المحتل وتهديد المقاومة الفلسطينية والعربية له.
وحقيقة إن كان كيان الاحتلال بحسب بعض وسائل الإعلام الغربية كان يحضر لضربة لاستهداف المقاومة وطرد المدنيين الفلسطينيين باتجاه سيناء إلّا أن فصائل المقاومة الفلسطينية، كانت على دراية بالنية الإسرائيلية وحددت وقت الهجوم الذي أعدت له سابقا ونجحت نجاحا هز الكيان وشكل صدمة له ولواشنطن التي هرول رئيسها جو بايدن إنقاذا لنفسه قبل أن يكون إنقاذا لنتنياهو محاولا لملمة ما تبقى من مشاريعه في الشرق الأوسط.
وربما نعت وسائل الإعلام الأميركية مشاريع بايدن في الكثير من تحليلاتها وكشفت عن سبب سفور بايدن بالحضور شخصيا وقيادة العمليات العسكرية ضد الفلسطينيين وتشجيع العدوان عليهم وهو الذي اعتاد المراوغة فكتب محلل الشؤون السياسية في شبكة “السي إن إن” أن رحلة بايدن أظهرت حدود النفوذ الأميركي في المنطقة “التي تعاني من وضع جيوسياسي خطير.
أتى بايدن على جناحيه الدبلوماسي والعسكري يحوم فوق المعركة والعدوان الإسرائيلي على غزة ليس لأن “إسرائيل” هي الحليفة والطفل الأميركي المدلل بل جاء لمنع آخر مسمار في نعش واشنطن ومشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يبدو أنه سيدفن بجانب كونداليزا رايس التي أعلنت عنه سابقا، وما يحدث في غزة هو جزء من المكاسرة بين واشنطن التي تدافع عن أحاديتها القطبية، وبين العالم المتعدد الأقطاب الذي يشكل محور المقاومة هنا رافعة حقيقية له في المنطقة.