الثورة – ترجمة محمود اللحام:
على الرغم من أن جميع ممارسات “إسرائيل” الحالية في غزة ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية بكل معايير القانون الدولي، إلا أن الغرب ما زال يصر على أنها “دفاع عن النفس”، بينما يتحدث بعض خبراء الأمم المتحدة عن ” تطهير عرقي “.
إن الحرص الغربي على تبرئة “إسرائيل” من تهمة الإبادة الجماعية يأتي من كونها تعتبر ” جريمة الجرائم ” في القانون الدولي، خاصة وأنها تجد نفسها مؤهلة كجريمة في ” نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ” مع اتفاقية خاصة لمنعها وقمعها.
تم استخدام مصطلح ” الإبادة الجماعية ” لأول مرة في عام 1944 من قبل المحامي البولندي رافائيل ليمكين، حيث جمع بين البادئة اليونانية genos التي تعني العرق أو القبيلة، واللاحقة اللاتينية cide التي تشير إلى فكرة القتل.
لقد طور مفهوم الإبادة الجماعية لوصف الجرائم التي ارتكبت سابقاً بهدف تدمير مجموعات عرقية أو دينية معينة، جزئياً أو كلياً، بما في ذلك مذبحة الأرمن.
وبعد ذلك، تم تحديد الإبادة الجماعية كجريمة مستقلة يعاقب عليها القانون الدولي في ” اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948″، التي دخلت حيز التنفيذ في عام 1951. ثم جرم قانون روما الأساسي أيضاً الإبادة الجماعية، وكذلك المحكمة الجنائية الدولية لرواندا والمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة، إلخ.
علاوة على ذلك، أشارت محكمة العدل الدولية (المحكمة المدنية التي تتعامل مع النزاعات بين الدول؛ على عكس المحكمة الجنائية الدولية: المحكمة الجنائية التي تحاكم الأفراد؛ NdT) في عدة مناسبات إلى أن اتفاقية الإبادة الجماعية تضع مبادئ تندرج تحت القانون الدولي العرفي العام، ما يعني أن الدول، سواء صدقت على هذا النص أم لا، ملزمة قانوناً بالمبدأ الذي بموجبه تعتبر الإبادة الجماعية جريمة يحظرها القانون الدولي. وأعلنت هذه المحكمة نفسها أيضاً أن حظر الإبادة الجماعية يشكل قاعدة قطعية من قواعد القانون الدولي، وبالتالي، لا ينبغي السماح بأي انتقاص منها.
وتعرف المادة الثانية من اتفاقية عام 1948 الإبادة الجماعية بأنها أي من الأفعال المذكورة أدناه، والتي ترتكب بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو دينية، وفق حالات:
– قتل أعضاء المجموعة
– الإضرار الجسيم بالسلامة الجسدية أو العقلية لأعضاء المجموعة
– إخضاع الجماعة عمداً لظروف معيشية بقصد التسبب في تدميرها المادي كليا أو جزئيا
– التدابير الرامية إلى منع الولادات داخل المجموعة
– النقل القسري للأطفال من مجموعة إلى مجموعة أخرى
بينما أصبح التطهير العرقي المصطلح السائد المستخدم لتجنب استخدام كلمة الإبادة الجماعية.
وبما أنه لم يتم الاعتراف به كجريمة مستقلة في القانون الدولي، فلا يوجد تعريف دقيق لمفهوم التطهير العرقي ولا الأفعال التي يمكن تصنيفها على هذا النحو.
وعلى النقيض من الجرائم ضد الإنسانية، ولاسيما النقل القسري والترحيل القسري للسكان المدنيين، وجرائم الحرب والإبادة الجماعية، فإن التطهير العرقي لا يظهر في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، ولذلك لا توجد معاهدة تجرم التطهير العرقي.
لكن ما هو الوصف القانوني للأعمال التي ترتكبها إسرائيل في غزة؟
من الناحية العملية، فإن استخدام مصطلحات التطهير العرقي أو الجرائم ضد الإنسانية أو الإبادة الجماعية لا يعتمد على عدد الأشخاص الذين قتلوا، بل يعتمد على معايير قانونية محددة. وما يميز جريمة الإبادة الجماعية عن غيرها من الجرائم هو ضرورة إثبات “نية” مرتكبي الجريمة، وهي تدمير الجماعة كمجموعة، كلياً أو جزئياً.
وبالنسبة لحالة “إسرائيل”، فمن الواضح أن تصريحات المسؤولين الإسرائيليين التي تصف الفلسطينيين بأنهم “حيوانات بشرية”، والذين يدعون إلى ذبح جميع سكان غزة أو طردهم بشكل جماعي إلى سيناء، تثبت نية “إسرائيل” في إبادة الفلسطينيين كلياً أو جزئياً، إبادة سكان غزة كـ “مجموعة”.
ومع ذلك، فقد قررت الدائرة التمهيدية للمحكمة الجنائية الدولية في 5 شباط 2021، بالأغلبية، أن الاختصاص الإقليمي للمحكمة في الوضع في فلسطين يمتد إلى الأراضي التي تحتلها “إسرائيل” منذ عام 1967، أي غزة والضفة والقدس الشرقية؛ ويستطيع المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية أن يشرع في إجراء تحقيقات فيما يحدث في غزة، حتى لو لم تكن “إسرائيل” عضواً.
وفي حال تم تجنب مصطلح “الإبادة الجماعية ” قانونياً لسبب ما، في حين أنه ليس من الصعب إثبات نية “إسرائيل” لإبادة سكان غزة جزئياً أو كلياً؛ ومن الأفضل عدم الإشارة إلى جريمة التطهير العرقي لأنها لا تدخل في نطاق اختصاص المحكمة الجنائية الدولية. ويفضل استخدام مصطلحي ” الجرائم ضد الإنسانية ” و” جرائم الحرب ” لأنهما يقعان في قلب نظام المحكمة الجنائية الدولية.
المصدر – موندياليزاسيون
![](https://thawra.sy/wp-content/uploads/2022/02/photo_٢٠٢٢-٠٢-٢٥_٢١-٥١-٢٣-150x150.jpg)