الثورة – ترجمة ميساء وسوف:
في حملة خاصة لجمع التبرعات في مانهاتن قبل عام واحد، قال الرئيس جو بايدن أمام قاعة مانحي الحزب الديمقراطي، إن العالم يواجه “احتمال هرمجدون” لأول مرة “منذ كينيدي وأزمة الصواريخ الكوبية”.
في ذلك الوقت، كان بايدن يشير إلى الصراع في أوكرانيا، الذي اشتد للتو مع قصف خطوط أنابيب نورد ستريم وإعلان روسيا ضم أربع مناطق أوكرانية.
وعلى الرغم من الإشارة إلى مخاطر الحرب بالوكالة ضد روسيا، القوة النووية الكبرى الأخرى في العالم، فقد سعى بايدن إلى تحقيق الأولوية العليا المتمثلة في فرض الهيمنة الأمريكية من خلال محاولة “إضعافها”. وبناء على ذلك، واصل بايدن الحرب بالوكالة من خلال سياسة مميزة تتمثل في إغراق أوكرانيا بالأسلحة، وتشجيع الهجوم المضاد الفاشل، ومنع الطرق الدبلوماسية.
وبعد عام واحد، لم يكتف بايدن بمضاعفة جهوده في نهجه المروع في أوكرانيا، بل إنه أضاف جبهة ثانية في الشرق الأوسط. فقد طلب البيت الأبيض من الكونغرس حزمة إنفاق جديدة من شأنها توفير أكثر من 14 مليار دولار للهجوم الإسرائيلي على غزة وأكثر من 61 مليار دولار لأوكرانيا، وهو أكبر طلب من نوعه منذ بدء الحرب في أوكرانيا في شباط 2022.
وفي الوقت نفسه، تساعد الولايات المتحدة بشكل مباشر بالفظائع الإسرائيلية وتقف بمفردها تقريباً لمنع الدعوات العالمية لوقف إطلاق النار، وتخاطر بحدوث مواجهة إقليمية أوسع نطاقاً.
وفي خطاب ألقاه في البيت الأبيض الأسبوع الماضي، نفض بايدن الغبار عن كتاب قواعد اللعبة الذي وضعه جورج دبليو بوش حول “محور الشر” ليربط بشكل مباشر بين الحرب بالوكالة في أوكرانيا والهجوم الإسرائيلي على غزة.
وفي إشارة أخرى إلى عقيدة المحافظين الجدد، خصص بايدن عرض الزعيم الجمهوري في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل للناخبين بشأن تمويل الحرب في أوكرانيا.
وأوضح بايدن أن الأسلحة التي تم إرسالها إلى أوكرانيا، والآن إلى “إسرائيل”، “صنعت في أمريكا”. ووفقاً لمكتب الميزانية التابع لبايدن، فإن ما يقرب من نصف طلبه البالغ 106 مليارات دولار، أي 50 مليار دولار، سيتم إنفاقه على “القاعدة الصناعية الدفاعية الأمريكية”.
وبعيداً عن الهيمنة والتربح من الحرب، فإن ذكر بايدن لفرص إعادة انتخابه عام 2024 يسلط الضوء على سبب آخر لطلبه القياسي للإنفاق.
ومن خلال تجميع الصراعين معاً، يأمل بايدن في جذب الجمهوريين المؤيدين لإسرائيل المتشككين في توفير المزيد من التمويل للحرب الأوكرانية، وبالتالي منحه 61 مليار دولار لإطالة أمد القتال ضد روسيا إلى ما بعد انتخابات تشرين الثاني 2024.
وكما فعلت في أوكرانيا، ترفض إدارة بايدن استخدام نفوذها الكبير على إسرائيل لإنهاء المذبحة.
وإذا أراد البيت الأبيض لاستطاع أن يدعو إسرائيل إلى قبول وقف إطلاق النار والسعي إلى إطلاق سراح الأسرى من خلال التفاوض، لكنه لم يفعل.
وبحسب صحيفة واشنطن بوست، قال أحد المسؤولين الأميركيين “من الواضح أن نتنياهو لن ينتظر حتى يتم حل أزمة الرهائن لبدء هجوم بري، وأنه ليس هناك الكثير مما يمكن أن تفعله واشنطن لتغيير هذه الحسابات”.
وبعد أن اعتبرت إدارة بايدن في السابق مقترحات وقف إطلاق النار “بغيضة”، فإنها المسؤولة علناً عن المزيد من الضحايا بين المدنيين الفلسطينيين.
وتعترف إدارة بايدن أيضاً بأن حزم المساعدات التي تروج لها لا تلبي الحد الأدنى لبقاء سكان غزة على قيد الحياة.
وفي مقابلة للترويج لعمليات التسليم الأولى، قال المبعوث الأمريكي الخاص المعين حديثاً للقضايا الإنسانية في الشرق الأوسط، ديفيد ساترفيلد، إن هدف البيت الأبيض هو “بناء هذا التدفق إلى المستويات اللازمة للبدء في تلبية احتياجات غزة”، ولم يُذكر أن العديد من الفلسطينيين سيموتون بسبب نقص المعدات الطبية وغيرها من الإمدادات الحيوية قبل أن تتمكن شحنات المساعدات التي وافقت عليها الولايات المتحدة من “البدء في تلبية” احتياجاتهم المنقذة للحياة.
وتشارك الولايات المتحدة أيضاً بنشاط في الهجوم الإسرائيلي ضد غزة، فقد أرسل البيت الأبيض جنرالاً من مشاة البحرية الأمريكية، هو اللفتنانت جنرال جيمس جلين، والعديد من الضباط العسكريين الآخرين لتقديم المشورة للجيش الإسرائيلي، بما في ذلك الغزو البري المخطط له، وفقاً لصحيفة نيويورك تايمز.
إن التزام بايدن بحماية المذبحة التي ترتكبها “إسرائيل” في غزة والهيمنة الإقليمية الأوسع، يخلق مخاطر تتجاوز بكثير المنطقة المحاصرة.
في العراق مثلاً، احتفظت الولايات المتحدة بفرقتها العسكرية على الرغم من تصويت البرلمان العراقي عام 2020 الذي يدعو إلى الانسحاب الكامل.
وفي سورية، لا تزال الولايات المتحدة تتجاهل مطالب الحكومة السورية بالانسحاب والتعويض عن احتياطيات النفط المنهوبة.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تدعي أن “هدفها الوحيد” في سورية هو محاربة داعش، إلا أن الجيش الأمريكي لم يقم في الواقع بأي قتال ضد الجماعة المسلحة، وقد أوضحت جينيفر كافاريلا من معهد دراسات الحرب، وهو مركز أبحاث تابع للمحافظين الجدد في واشنطن، أن الاحتلال العسكري الأمريكي يمنحه “نفوذاً مباشراً على الغالبية العظمى من حقول النفط الأكثر إنتاجية في سورية”، وبالتالي فإن السيطرة على الكنوز الوطنية السورية تضيف قوة جيوسياسية غاشمة بالنسبة للولايات المتحدة.
حتى وقت كتابة هذه السطور، أصبح عدد الضحايا الفلسطينيين أكثر من 7000 مدني فلسطيني، ضحايا الولايات المتحدة وحليفتها “إسرائيل”، من بينهم أكثر من 2300 طفل، وهي الكارثة التي تصفها اليونيسف بأنها “وصمة عار متزايدة على ضميرنا الجماعي”.
المصدر – غلوبال ريسيرش