الثورة – ترجمة فاديه المحرز:
في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ها نحن ذا، وخاصة في غزة.. لعدة سنوات حتى الآن.. ولكننا في هذه الأيام وصلنا إلى قمة العار.. في ذروة الهمجية.. في ذروة وحشية النظام الاستعماري الذي لا مثيل لعنصريته.. سواء من خلال خطابات المسؤولين الصهاينة المنتخبين – والتي لا يمتلك مسؤولونا المنتخبون الشجاعة لإدانتهم – وكذلك من خلال الوسائل التكنولوجية المستخدمة.. وأعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، وهو فخور بنفسه، يوم الجمعة أن طائراته قصفت غزة خلال الأسبوعين الماضيين ” بمعدل لم يسبق له مثيل منذ عقود “.. ويجب تقديم جميع المسؤولين ومؤيديهم إلى العدالة عندما يحين الوقت.
منذ ما يقرب من 17 عاماً، مُنع سكان يبلغ عددهم حوالي 2.3 مليون نسمة من الخروج – باستثناء حوالي عشرة آلاف عامل يعملون بأجور منخفضة في المستعمرات المجاورة، إضافة إلى استثناءات نادرة للغاية تتطلب إجراءات إدارية قد تستغرق أسابيع أو حتى أشهر، محاصرة على مساحة تزيد عن 360 كيلومتراً مربعاُ (شريط من الأرض يمتد عرضه حوالي 10 كيلومترات وطوله 36 كيلومتراً، أو ركوب الدراجة) في صمت دولي مثقل بالتواطؤ.
إن الكثافة السكانية هي من بين الأعلى في العالم.. وعلينا أن نفهم ما يعنيه هذا في الواقع.. على هذا القطاع من الأرض، الذي لا يمكن الوصول إلى جزء كبير منه على طول الحدود “لأسباب أمنية” يفرضها جيش الاحتلال.
فقط يجب أن تكون هناك مساكن لإيواء هؤلاء الملايين من الناس، ولكن أيضاً المدارس والجامعات والشركات والمقاهي والمطاعم والمكاتب والمصانع ومحلات التصليح والمراكز الطبية والمستشفيات والإدارات المختلفة ودور العبادة ومراكز الترفيه والملاعب الرياضية، والحقول والدفيئات الزراعية والحظائر والإسطبلات والمستودعات، وجميع البنية التحتية التي تسمح لهؤلاء السكان بتلبية احتياجاتهم الأساسية. ولذلك، وبما أن هذا لا يكفي، فإن شاحنات المنتجات المدرجة بدقة تزودها يومياً.
إلا أن انحراف المحتل قاده إلى حساب عدد السعرات الحرارية اللازمة للفرد لإبقائه فوق عتبة سوء التغذية بقليل: 2279 سعرة حرارية في اليوم للشخص الواحد.. وهذا يُترجم إلى 131 شاحنة يومياً… ليس واحداً آخر… ومن الواضح أن هذا غير كاف… وقال دوف فايسغلاس، المحامي الذي شارك في ما يسمى “عملية السلام”: “الفكرة هي وضع الفلسطينيين في نظام غذائي، دون جعلهم يتضورون جوعاً” . وأكرر: منذ ما يقارب 17 عاماً وفي صمت دولي مثقل بالتواطؤ، وليس الصمت الغربي فقط!.
جحيم حقيقي، تتخلله حوادث مميتة تسمح للنظام الاستعماري الصهيوني باختبار أسلحته الجديدة في الهجمات الإرهابية والتفجيرات، ما يتسبب في سقوط العديد من الضحايا المدنيين.
في الأيام الأخيرة، وفي الساعات الأخيرة، تجاوزت الوحشية الصهيونية كل الحدود. وهكذا يكشف لنا وجه القتلة.. وجه العنصرية بكل دناءته.. في كل ضعفه جبان جداً، بحيث لا يتمكن من الاعتراف بأخطائه.
إنه يستخدم التكنولوجيا الأكثر فتكاً.. في هذا التنكر الدنيء حيث يقدم الإسرائيليون أنفسهم دائماً كضحايا بينما هم الجلادون.
وبهذا الانقلاب الاتهامي الذي أصبحوا فيه سادة.. لذلك لم يترددوا في تحميل المقاومة الفلسطينية مسؤولية قصف مستشفى المعمداني.. وجبنهم لايقابله إلا خزيهم. ولحسن الحظ، دحضت وحدة مكافحة التضليل تصريحات المحتل بشأن مجزرة مستشفى غزة.. وقال بيانها إنه من خلال مراجعة صور قصف المستشفى يتبين أن الذخائر القادرة على تدمير المنطقة بهذه الطريقة ليست من نوعية الذخائر التي بحوزة المقاومة الفلسطينية.. وبعد تحقيقات الخبراء تبين كذب هذا الادعاء، وتمكنوا من إثبات أن الفيديو الذي نشرته هذه الدعاية الإسرائيلية البغيضة قد تم نشره بالفعل في آب 2022.. والقنبلة التي ألقيت على مستشفى المعمداني ستكون من طراز MK-84 أمريكية الصنع.
ويشير بيان آخر صادر عن خبراء الأمم المتحدة إلى أن “مداهمة المستشفى تمت بعد تحذيرين أصدرتهما “إسرائيل” بهجوم وشيك على المستشفى إذا لم يتم إخلاؤه.
وأضاف البيان أن “الحصار الكامل المفروض على غزة، وأوامر الإخلاء والتهجير القسري للسكان، فضلاً عن حرمان المدنيين من المساعدة الأساسية، يشكل انتهاكاً للقانون الإنساني الدولي والقانون الجنائي الدولي”.
وفي السياق نفسه المنحرف، قام الجيش الإرهابي الإسرائيلي أيضا بإلقاء آلاف المنشورات على قطاع غزة، يطلب فيها من سكان الشمال التوجه إلى الجنوب في غضون 24 ساعة، قبل حملة قصف وشيكة للمنطقة بأكملها.
انطلق العديد من الشماليين مذعورين دون تأخير مع عائلاتهم… من يجرها سيارة أو شاحنة أو عربة يجرها حمار، ومن يجرها دراجة نارية أو دراجة هوائية أو حتى سيراُ على الأقدام بالنسبة للفقراء. وأظهرت الصور أن طائرات النظام الاستعماري انتهزت الفرصة لقصف طوابير اللاجئين، ما تسبب في سقوط العديد من القتلى والجرحى في صفوف السكان المعوزين والمذهولين. وبالمثل، بمجرد وصولنا إلى الجنوب، على مسافة ليست بعيدة عن الحدود مع مصر، استؤنف قصف الكيان الإرهابي الإسرائيلي على رفح، ليلاً ونهاراً، ما أدى أيضاً إلى سقوط عدد لا يحصى من الضحايا، معظمهم من المدنيين.
لم يكتف جيش النظام الإرهابي الإسرائيلي بعد بالخسائر الشريرة التي ارتكبها خلال الليل فيما يمكن وصفها بأنها أعمال انتقامية وليست أعمالاً انتقامية متناسبة على النحو المنصوص عليه في قانون الحرب، فدمر في الليلة التالية كنيسة القديس فرفوري الأرثوذكسية اليونانية، مرة أخرى ما تسبب في سقوط عدد لا يحصى من الضحايا من المسيحيين والمسلمين الذين لجؤوا إلى هناك.. كانت هذه الكنيسة واحدة من أقدم الكنائس في العالم.. وفقاً لأمر القديس جاورجيوس الأرثوذكسي، تم إيواء 500 شخص هناك. وسيكون عدد الضحايا كبيراً مرة أخرى، بمجرد انتشالهم من تحت الأنقاض.
في الواقع، أولئك الذين يكررون على نحو شارد الذهن أن قطاع غزة هو “أكبر سجن مفتوح” يفتقرون مرة أخرى إلى البصيرة في تحليلاتهم، لأنه حتى سماء هذا الغيتو الضخم مغلقة تماماً هناك: طائرات بدون طيار وطائرات مقاتلة ومروحيات تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي.
النظام الإرهابي الذي لا يكلف نفسه عناء استخدام الأسلحة التي تحظرها قوانين الحرب.. سماء غزة مثل بقية القطاع: يسيطر عليها النظام الإرهابي الإسرائيلي، وبالتالي مغلقة! الانتقال في الأيام الأخيرة من حالة معسكر الاعتقال إلى حالة الإبادة! في عام 2003، قبل حصار غزة، كتب باروخ كيمرلينج، عالم الاجتماع الإسرائيلي، أن “قطاع غزة كان أكبر معسكر اعتقال على الإطلاق”.
تخيل كيف كان هذا الحصار اللا إنساني والقاتل منذ ما يقرب من 17 عاماً!.
المصدر – موندياليزاسيون