قراءة في العلاقات السورية – الروسية بعد  سقوط النظام المخلوع 

حسين ملحم:  

تعد التحوّلات السياسية الكبرى لحظةً كاشفةً في تاريخ الشعوب، إذ تفتح المجال على مصراعيه لإعادة التفكير في مفاهيم شتّى، ومنها السيادة والشرعية والتحالفات، من منظور فلسفة السياسة.

وفي ضوء ذلك، يُشكِّل الخبر الأخير في منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، المتعلّق بزيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى الكرملين بعد سقوط نظام الأسد المخلوع في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، حدثاً تتجاوز أهميّته البعد الدبلوماسي المباشر، ليعكس ديناميةً عميقة في بنية السلطة والعلاقات الدولية.

فزيارة الرئيس  أحمد الشرع إلى موسكو ليست مجرّد حدثٍ سياسي أو دبلوماسي عابر، ولا سيّما أنّ موسكو كانت الحليف الأكبر للديكتاتور الهارب، بل إنّ هذا الحدث هو إعادة تموضعٍ للدولة السورية في شبكة القوّة والسياسة العالمية، وإعلانٌ غير مباشر عن تصوّرٍ جديد للعلاقات الدولية والدبلوماسية السورية – الروسية.

ولأجل فهم البنية الفلسفية التي تحكم مثل هذه التحوّلات على الساحة السياسية، لا بدّ من الرجوع إلى المفكّرين الذين اهتمّوا بمفاهيم الشرعية والسيادة والواقعية السياسية، أمثال: جان جاك روسو، وميكيافيلّي، وميشيل فوكو، وأنطونيو غرامشي.

ومن أجل فهم السيادة والشرعية في فلسفة السياسة، ما بين الثورة والاستمرارية، نتطرّق إلى زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى موسكو، فزيارته للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الكرملين ليست إلا رغبةً في إقامة علاقاتٍ ودّية مع روسيا التي كانت حليفاً تقليدياً للنظام البائد. وهذا ما يطرح سؤالاً محورياً يتردّد على ألسنة العامة:

هل يجب على الحكومة السورية، لتعزيز سيادتها، أن تقوم على القطيعة مع الماضي، أم على استمرارية المصالح الدولية؟

من منظورٍ فلسفيٍّ ميكيافيلّي، الشرعيةُ والسيادةُ لا تُكتسبان من الإرادة الشعبية، بل من القدرة على ضمان البقاء؛ فالغاية عنده تُبرّر الوسيلة، وهذا بحدّ ذاته الطريق إلى الديكتاتورية.

أمّا جان جاك روسو فيرى أنّ السيادة والشرعية تنبعان من العقد الاجتماعي.

غير أنّ الحالة السورية تكشف عن نموذجٍ مغاير، حيث تسعى السيادة السورية إلى خلق جوٍّ من الوئام والصداقة بينها وبين القوى الدولية، وخاصة الكبرى منها.

وهنا تكمن مصلحة الشعب السوري في تحقيق الاستقرار والنهضة والازدهار.

فبعد أن نجحت الثورة السورية وأسقطت الديكتاتورية التي استمرّت أكثر من خمسة عقودٍ من الزمن، اكتسبت الحكومة السورية – على المستوى الداخلي – ثقة الشعب الذي تنفّس الحرية التي ناضل من أجلها وقدم مئات الآلاف من الشهداء. وهي الآن تبحث عن ثقة المجتمع الدولي، ولا سيّما الدول الكبرى، لترسيخ الاستقرار، بغية إعادة الإعمار والازدهار.

وفي ظل هذا السياق، يصبح مفهوم الشرعية الممكنة بديلاً عن مفهوم الشرعية المثالية، وخاصةً أنّ المثالية تختلف من وجهة نظرٍ فلسفية إلى أخرى.

فالأنظمة الجديدة التي خرجت للتوّ من ثورتها وأطاحت بدكتاتوريةٍ جثمت عقوداً من الزمن على رقبة شعبها، لا تسعى إلا إلى الحفاظ على توازنٍ واقعيٍّ يضمن السِّلم والاستقرار، بغية التطلّع إلى إعادة الإعمار والنمو والتقدّم ضمن معادلة القوى العالمية الكبرى.

وهذا ما يمكن أن نسمّيه الواقعية في السياسة (Realpolitik)، وهي فكرة تمتدّ بين فلاسفة السياسة لإكمال تحقيق القيم العليا بما يضمن السلم والاستقرار.

وزيارة الرئيس الشرع إلى موسكو تعبّر عن وعيٍ براغماتيٍّ في مفهوم السيادة والشرعية، إذ لا تُكتسبان عبر الخطاب الثوري فحسب، بل من القدرة على التكيّف مع موازين القوى التي تحكم العالم.

وتكشف الحالة السورية عن تحوّلٍ فلسفيٍّ في معنى الشرعية السياسية في العصر الحديث، فهي تسعى إلى تحقيق توازنٍ بين الداخل والخارج، للأخذ بيد الشعب السوري الحرّ الذي ناضل كلّ تلك السنوات ضد ديكتاتوريةٍ لم يعرف لها التاريخ مثيلاً، وهي حالة تتطلّب فهماً فلسفياً عميقاً لبنية القوى ذاتها.

آخر الأخبار
وزير العدل ينفي التصريحات المنسوبة إليه ويحث على التوثق من المصادر الرسمية وزير المالية يشارك في المنتدى العربي للمالية العامة ويؤكد أهمية الاستدامة المالية المجلات المفهرسة تهدد النشر الخارجي.. وجامعة دمشق تحذر المباشرة بتوسيع فرن قدسيا لزيادة إنتاج الخبز "المركزي" والإعلام .. تنسيق لتعزيز الثقة بالعملة الجديدة أهالي طرطوس بانتظار انعكاس تخفيض سعر المشتقات النفطية على السلع التعافي الاقتصادي.. عقبات تتطلب حلولاً جذرية  تمكين الصحفيات من مواجهة العنف الرقمي القائم على النوع الاجتماعي   قريباً  تعرفة جديدة للنقل بطرطوس تواكب انخفاض أسعار المحروقات   اعتداء إرهابي على حي المزة .. "الدفاع" تكشف تفاصيل جديدة وتشدد على ملاحقة الجناة   ماذا يعني بدء موانئ دبي العالمية عملياتها في ميناء طرطوس السوري؟ تراجع إنتاج الزيتون بحمص    العملة الجديدة.. الإعلام شريك النجاح قرارات جديدة وغرامات صارمة.. هل سنشهد نهاية أزمة السرافيس بحلب؟ نائب وزير الاقتصاد يبحث احتياجات "عدرا الصناعية" لتسريع الإنتاج تصريحات ضبابية تثير مخاوف اللاجئين السوريين في ألمانيا   "اللاعنف".. رؤية تربوية لبناء جيل متسامح انفتاح العراق على سوريا.. بين القرار الإيراني والتيار المناهض  تحدياً للدولة والإقليم.. "حزب الله" يعيد بناء قدراته العسكرية في جنوب لبنان سوريا بلا قيود.. حان الوقت لدخول المنظمات الدولية بقوة إلى سوريا