تقليص القطاع العام.. ضرورة اقتصادية أم فرصة للتَّحول؟

الثورة – ميساء العلي:

قد يكون العنوان مكرراً حول مستقبل القطاع العام في سوريا، إلا أن كلام وزير المالية مؤخراً والذي قال فيه: “هدفنا هو أن يكون لدينا قطاع عام أصغر بموازنة أصغر” جعلنا نعيد السؤال للمرة الألف.

ربما ما طرح على لسان وزير المالية ليس بجديد، خاصة عندما فسر كلامه بأنه لا يعني خصخصة كل الشركات العامة، وإنما دراسة كل حالة على حدة، ومن ثم نقرر على حد تعبيره ما إذا كنا سنحافظ عليها أو ندمجها أو نخصخصها.

يقول المحلل الاقتصادي شادي سليمان: “لا يمكن القول إن القطاع العام في سوريا انتهى وإنما ما يحدث تغييرات كبيرة تشير إلى أن دوره أصبح اليوم في ظل الواقع الجديد مختلفاً، وأن هناك إعادة هيكلة عميقة لهذا القطاع الهام.

وأضاف سليمان: إن مرحلة انتقالية بدأها القطاع العام في سوريا قد تكون من خلال إعادة توزيع بعض الأدوار التقليدية التي كانت خاصة بالدولة، سيتم توزيعها إلى القطاع الخاص أو منظمات المجتمع المدني إن أمكن، بمعنى أن الدولة تعيد تحديد أولوياتها.

إعادة تموضع

من جانبه يرى الخبير التنموي زياد شاكر أن ما يحدث هو إعادة تموضع لكن بطريقة تحقق تشاركية مع جميع الأطراف.

وأضاف: إن الدولة لا تزال تدير مهام حيوية من بنى تحتية وبعض الخدمات الأساسية والمؤسسات الاستراتيجية. ويتفق شاكر مع سليمان بأن الدور التقليدي الذي كان يهيمن فيه القطاع العام على كثير من المرافق الاقتصادية والاجتماعية يُعاد تقييمه فربما يُقلص أو يحول إلى شراكة مع القطاع الخاص أو يُغلق بعض الشركات الخاسرة.

وأشار شاكر إلى مجموعة عوامل تؤثر على مصير القطاع العام، منها الاحتياجات المالية والضغوط الاقتصادية خاصة وأن سوريا بعد الحرب منهكة اقتصادياً، والميزانية ضيقة جداً ولا تكفي للإبقاء على هيكل قطاع عام ضخم.

وأضاف أن هناك إرثاً إدارياً يتمثل بعدد كبير من الموظفين ليس لديهم أي دور فعال أو كفاءة عالية.

لكن ورغم النظرة المتشائمة لمستقبل القطاع العام هناك فسحة أمل يجب الاستفادة منها والعمل على توفير الأرضية لها، وخاصة بعد رفع العقوبات عن سوريا وتحويل مذكرات التفاهم التي تم توقيعها إلى واقع ملموس للاستثمار في سوريا.

وبالعودة إلى المحلل الاقتصادي سليمان، إذ أكد على أن مستقبل القطاع العام في سوريا مرتبط بالانتاج المحلي أولاً، وذلك من خلال إعادة دور الاقتصاد الحقيقي المتمثل بالزراعة والذي سيؤدي حتماً إلى صناعة زراعية تعود بالفائدة على الاقتصاد الوطني مما يعني زيادة النمو الاقتصادي للعام القادم.

بالتأكيد إن المهمة صعبة ضمن الظروف الاقتصادية الحالية وقدرة الدولة على دعم قطاع عام ضخم، ستبقى محدودة في البداية لذلك نحن بحاجة إلى إلى إدارة الموارد الحالية بذكاء.

إعادة هيكلة الإنفاق العام

الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور إبراهيم نافع قوشجي قال في حديثه لـ”الثورة” إنه في ظل التحديات الاقتصادية المتراكمة التي تواجه سوريا، تتجه الحكومة نحو تقليص حجم القطاع العام، ليس فقط كخيار تقشفي، بل كاستراتيجية لإعادة هيكلة الإنفاق العام وتوجيه الموارد نحو أولويات أكثر استدامة.

هذا التوجه بحسب قوشجي، ينبع من إدراك عميق بأن إعادة تشغيل القطاع العام التقليدي يتطلب إنفاقاً استثمارياً ضخماً لا يتناسب مع قدرات الدولة الحالية، ما يجعل تقليصه خطوة نحو تخفيف العبء الاستهلاكي على الموازنة العامة.

ويتابع كلامه: بأن أهداف تقليص عادة يكون بهدف ترشيد الإنفاق وتعزيز كفاءة الموازنة ومعالجة التضخم.

خصخصة غير عادلة

أما من ناحية الخصخصة العادلة فهي غير متوفرة بالاقتصاد السوري اليوم، بحسب قوشجي، ورغم أن الخصخصة تبدو خياراً منطقياً، إلا أن تطبيقها بشكل عادل يتطلب مناخاً اقتصادياً مستقراً، وهو ما لا يتوفر حالياً على المدى القصير.

فالدخل الوطني لا يزال مجمعاً في أيدي قلة، ما يهدد بتحول الخصخصة إلى تركيز إضافي للثروة بدلاً من توزيعها، لذلك فإن الخصخصة يجب أن تكون تدريجية، مدروسة، ومبنية على شراكات حقيقية مع مستثمرين جادين، لا على تصفية الأصول العامة، على حد قول قوشجي.

بدائل

وعن بدائل الخصخصة يشير قوشجي إلى الاستثمار المباشر والتحول المؤسسي، فبدلاً من الخصخصة التقليدية، يمكن اعتماد نماذج أكثر مرونة وواقعية مثل الاستثمار المباشر مع شركاء جادين من خلال فتح القطاع العام أمام مستثمرين محليين ودوليين ضمن عقود تشغيل أو تطوير، دون التخلي الكامل عن الملكية وتحويل المؤسسات العامة إلى شركات مساهمة كدمج المقارنة في النشاط وتحويل الوحدات الإنتاجية إلى شركات قابلة للتداول.

وهذا بدوره يعزز الشفافية ويجذب رؤوس الأموال ناهيك عن إعادة هيكلة النشاط الاقتصادي وفصل الوظائف غير الإنتاجية عن الوحدات القابلة للاستثمار، وتحويل الأخيرة إلى كيانات مستقلة مالياً وإدارياً.

الفوائد الاقتصادية المتوقعة، بحسب قوشجي، تتمحور في تحفيز النمو الاقتصادي من خلال جذب الاستثمارات وتحسين كفاءة التشغيل، وخلق فرص عمل مستدامة عبر إعادة هيكلة المؤسسات وتحويلها إلى كيانات إنتاجية، وتعزيز الشفافية والمساءلة من خلال تحويل المؤسسات إلى شركات مساهمة تخضع للرقابة المالية، تقليل الفساد الإداري عبر تقليص البيروقراطية وتحسين الحوكمة، وتحسين بيئة الأعمال من خلال تحرير السوق تدريجياً وخلق منافسة عادلة.

آخر الأخبار
الأمم المتحدة: من المهم لسوريا ترسيخ علاقاتها مع جميع الدول زيارة الشرع الى موسكو.. تكريس جديد للعلاقة السورية - الروسية هل تكون جثث الرهائن الإسرائيليين حجة للاحتلال لمواصلة الحرب؟ "رواد الباشان" بين الدافع الأيديولوجي والتواطؤ الحكومي... مشروع استيطاني يتمدد في الجولان الشرع يبلغ بوتين أنه سيحترم كل الاتفاقات السابقة مع موسكو  العفو الدولية تطالب بالإفراج الفوري عن حمزة العمارين الانتهاكات الإسرائيلية ترهق المدنيين السوريين في حياتهم اليومية "الصليب الأحمر": تضافر الجهود الدولية لتأمين بيئة آمنة للسوريين  زيارة الشرع.. خطوة استراتيجية لضبط العلاقة مع موسكو البحوث العلمية الزراعية في طرطوس.. تحديات قاسية وأمل لا ينكسر "ميكروفونات" الباعة الجوّالين.. ضجيج إضافي يفرض نفسه في حلب من باب شرقي إلى الجابية.. تأهيل الطريق المستقيم في مراحله الأخيرة  تجهيز نحو 35 ألف طن من بذار القمح عالي الجودة التقاعد المبكر.. راحة منتظرة أم خسارة مبكرة؟ "مالية" حلب تضع رؤية شاملة لتطوير الأداء المالي والإداري ملتقى الابتكار والتوظيف.. تمكين الخريجين وبناء المستقبل تقليص القطاع العام.. ضرورة اقتصادية أم فرصة للتَّحول؟ مفاضلة التسجيل في المعاهد التقانية.. مصيرية تحدد مستقبل آلاف الطلاب تراجع الضوابط الاجتماعية فاقم ظواهر سلبية.. والمعالجة تحتاج مقاربة مجتمعية معركة الهوية في زمن الاتصال الدائم