الثورة – ناديا سعود
لم تعد المعركة داخل البيوت اليوم بين جيلٍ وآخر كما كانت في الماضي، بل بين العائلة وشاشة مضيئة تخطف الأبصار وتسرق القلوب، يقضي الأبناء ساعاتٍ طويلة في فضاءات رقمية بلا حدود، فيما يسعى الآباء جاهدين لبناء جسور ثقة وصداقة تحمي أبناءهم من الغرق في عالم يعيد تشكيل القيم والمفاهيم.
كيف يمكن للأسرة أن تبقى الحضور الأجمل في حياة أبنائها وسط صخب العالم الرقمي؟ وكيف يوازن المربّون بين الحزم الذي يصون واللين الذي يجذب دون أن يخسروا قلوب الصغار؟
تساؤلات تطرحها الأستاذة ندى الحكيم، حاصلة على ماجستير في اللغة العربية وعضو في نقابة المعلمين، مؤكدة أن ما يبدو هدوءاً في بيوت اليوم يخفي وراءه تحديات غير مسبوقة.
فغياب الشجارات العائلية لا يعني انسجاماً حقيقياً، بل قد يكون دليلاً على عزلة صامتة يعيشها الأبناء خلف الأبواب المغلقة، غارقين في عوالم افتراضية خادعة تسلب وعيهم وتعيد صياغة أخلاقهم وانتماءاتهم الاجتماعية.
وترى الحكيم أن المربي المعاصر يواجه معضلةً حقيقية؛ فالأبناء خرجوا من دفء الأسرة إلى فضاء رقمي براق لكنه غادر، يزرع فيهم الفردانية والانعزال ويغريهم باللذّات السريعة، ومع غياب الأب المتكرر تحت ضغط الحياة الاقتصادية، وانشغال الأم بأعباء العمل، تتراجع سلطة الأسرة أمام سطوة الشاشة.
وتضيف أن مهمة المربي اليوم لم تعد تقليدية، بل تتطلب وعياً تقنياً وتربوياً عميقاً، وصبراً مضاعفاً، مع ضرورة حضور أب صديق وأم قريبة تجمع بين الحزم واللين، وتدرك أن التربية ليست صراعاً ضد الأبناء بل رحلةٌ مشتركة لبناء الثقة والحوار.
وتثير الحكيم تساؤلات جوهرية: ما الفجوة التي فصلت بين الآباء والأبناء؟ وهل الثورة الرقمية وحدها السبب؟ أم أن العوامل الاجتماعية والاقتصادية أسهمت في اتساع هذه الهوة؟
ففي الوقت الذي منحت فيه التكنولوجيا الأبناء شعوراً بالمعرفة والتفوق، وجد الآباء أنفسهم أسرى لمعايير جديدة من الاستهلاك، يسعون من خلالها لإرضاء الأبناء مادياً على حساب القيم والمعاني.
وتحذر الحكيم من أن الأسرة لم تعد المصدر الأول للقيم كما كانت، بعدما تقدمت الشركات والمؤسسات العملاقة لتلعب هذا الدور عبر منصات التواصل، مستغلةً براءة الأطفال واحتياجاتهم النفسية بأدوات تسويقيةٍ ماكرة.
وفي ختام حديثها، تقدم الحكيم مجموعة من التوصيات العملية للأهل، أبرزها تأخير منح الهاتف المحمول للأطفال قدر الإمكان، وتوفير بدائل ترفيهية وتربوية عصرية، وتشجيعهم على النشاط البدني والعمل التطوعي، مع وضع قوانين واضحة لإدارة الوقت داخل المنزل.
فالتربية – كما تؤكد – تبدأ من وعي المربي بنفسه وقدرته على أن يكون قدوة في القول والفعل، وتنتهي بقدرة الأسرة على بناء حوار حي ودافئ يحمي الأبناء من برد الشاشات.