الثورة- نور جوخدار:
أثار تسريب صور يعتقد أنها لجوازات سفر عدد من أعضاء الوفد السوري الذي زار لبنان مؤخراً جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والإعلامية، بعدما انتشرت عبر صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي وبعض الوسائل الإعلام اللبنانية، ما يجعل أي خرق أمني أو إعلامي مرتبط بالوفود الرسمية محل تساؤل حول سلامة الإجراءات اللبنانية في حماية البيانات الدبلوماسية؟.
وعلى الرغم من تأكيد نائب رئيس الوزراء اللبناني طارق متري، في رده على استفسار الصحفية السورية علياء منصور “فُتح تحقيق في الحادثة”، إلا أن الأسئلة لا تزال قائمة حول الجهة التي تقف خلف التسريب، ومدى التزام لبنان بالمعايير القانونية والدبلوماسية المتعارف عليها دولياً، خاصة أن الواقعة تمس وثائق رسمية يفترض أن تخضع لسرية تامة.
وحول الأبعاد القانونية والسياسية لهذه الحادثة، أكد المحامي والأكاديمي السوري زهير مارديني في تصريح خاص لـ “الثورة” أن الدولة المضيفة تتحمل التزاماً قانونياً بحماية الوثائق والبيانات الخاصة بالبعثات والوفود الرسمية، استناداً إلى المادة 24 من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، التي تنص على أن “محفوظات ووثائق البعثة مصونة في جميع الأوقات وأينما وجدت”، وأن المادتان 22 و29 تلزمان الدولة المضيفة باحترام وحماية حرمة البعثة وشرف وكرامة أعضائها.
وقال مارديني: إن تسريب بيانات أو صور وثائق دبلوماسية يعد تجاوزاً دبلوماسياً ذا طابع أمني، لا مجرد خلل إداري، لأنه يمس مباشرةً الالتزامات الدولية بموجب الاتفاقية ذاتها.
وبناءً عليه، يجب على لبنان اتخاذ التدابير الكفيلة بمنع الوصول غير المصرح به إلى وثائق الوفود، وضمان سريتها سواء كانت محفوظة في أماكن الإقامة الرسمية أو لدى الأجهزة الإدارية المختصة بإجراءات الدخول والاستقبال، مشيراً إلى أن الواقعة تمثل انتهاكاً دبلوماسياً خطيراً يقوّض الثقة ويفقد الدولة المضيفة صفتها كضامن لسرية وأمان الممثلين الدبلوماسيين.
وأوضح المحامي مارديني أن الفرق بين البيانات الشخصية والمعلومات الدبلوماسية هو أن الأخيرة تتمتع بحماية مطلقة بموجب القانون الدولي، وهي تشمل الوثائق والمراسلات والبيانات المتعلقة بعمل البعثة والعلاقات بين الدول، ولا يجوز المساس بها تحت أي ذريعة، بينما البيانات الشخصية، يحميها القانون الداخلي “مثل قانون حماية البيانات الشخصية” وهي تُعنى بحق الأفراد في الخصوصية، مضيفاً إنه عندما تكون البيانات الشخصية مرتبطة بصفة دبلوماسية “كجواز السفر الدبلوماسي أو وثائق الاعتماد” فإنها تندمج في النطاق الدبلوماسي الدولي، ويُصبح أي كشف عنها انتهاكاً مزدوجاً، لخصوصية الفرد وللحصانة الدبلوماسية.
وبين مارديني أنه في حال ثبت أن التسريب وقع داخل الأراضي اللبنانية، فالحكومة اللبنانية ملزمة باتخاذ خمس خطوات أساسية، تتضمن: فتح تحقيق رسمي فوري لتحديد الجهة أو الشخص المسؤول عن التسريب، واتخاذ إجراءات تأديبية أو قضائية بحق المسؤولين عن الانتهاك، وإبلاغ الدولة المتضررة “سوريا” بنتائج التحقيق عبر القنوات الدبلوماسية، كذلك تقديم اعتذار رسمي وتعهد بعدم التكرار، بالإضافة إلى تعزيز التدابير الأمنية والإدارية المتعلقة بحفظ وثائق الوفود الأجنبية مستقبلاً.
وأشار إلى أن تقصير الدولة في اتخاذ هذه الخطوات يُعد استمراراً للفعل غير المشروع دولياً، مؤكداً أن من حق سوريا قانوناً استناداً إلى مبدأ المسؤولية الدولية للدول، أن تطلب من لبنان فتح تحقيق رسمي مشترك أو مستقل، وتقديم اعتذار دبلوماسي وتعويض معنوي إذا ثبت أن التسريب ألحق ضرراً بسمعة الوفد أو كرامة أعضائه، وفق المادتين 24 و29 من اتفاقية فيينا وإلى قواعد مسؤولية الدولة عن الأفعال غير المشروعة دولياً “المواد 1-31 من مشروع لجنة القانون الدولي لعام 2001”.
وختم مارديني بالتأكيد على أن الحادثة، على الرغم من حساسيتها، يمكن أن تكون فرصة لتعزيز الثقة بين بيروت ودمشق عبر إجراءات مشتركة، لمنع تكرار مثل هذه الحوادث المشينة.