استراتيجيات وتصنيفات أضاعت ملامح المشروعات الصغيرة

الثورة – دمشق – محمود ديبو:

كثيراً ما جرى الحديث عن المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر والمتوسطة، وسلطت الأضواء على أهميتها في تنمية المجتمعات، وخاصة الريفية منها، التي تفتقر إلى وجود استثمارات كبيرة تستوعب أعداداً كبيرة من اليد العاملة، ودائماً كان التركيز ينصب على ضرورة دعم تلك المشروعات ورفدها بالإمكانات والمستلزمات لإعطائها الدفعة الأولى لتنهض وتنمو وتتطور، لتكون بمثابة النواة الأساسية لقيام مشروعات كبيرة فيما بعد.
ولعل في هذا الكثير من التفكير الاقتصادي السليم والصحيح الذي ينظر إلى التنمية على أنها فعل جماعي، بغض النظر عن حجم الاستثمارات الموظفة فيه، ودائماً كانت تلك المشروعات هي الحامل الأساسي للمجتمعات الصغيرة والضعيفة اقتصادياً، وهي كانت في مراحل سابقة تمثل عصب تلك المجتمعات والرافعة الاقتصادية لها، ويغلب عليها الطابع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، إلى جانب بعض الأعمال التجارية والصناعات اليدوية الخفيفة على اختلاف أنواعها، والتي اختفت شيئاً فشيئاً بفعل الظروف الحالية الطارئة وتداعيات الحرب العدوانية على سورية، والتي أدت إلى خروج الكثير من تلك المشروعات عن الخدمة وتعطلها وخاصة المشروعات الزراعية.
في تلك المرحلة التي سبقت سنوات الحرب على سورية، لم يكن يحتاج الأمر للكثير من التفكير والحسابات للانطلاق بأي من تلك المشروعات، فبإمكانات بسيطة كان بمقدور الفرد أن يبدأ مشروعاً زراعياً مضمون النتائج، بحيث يؤمن دخلاً جيداً مهما كان المشروع متواضعاً، في حين أن هذا لم يعد متاحاً اليوم لأسباب كثيرة، أهمها الارتفاع الكبير في حجم التكاليف الضرورية لتأسيس وانطلاق أي مشروع، إضافة إلى تراجع نسبة الأرباح المتوقعة منه نتيجة عدم كفاية دخل المستهلك واتساع الفجوة بين الدخول والأسعار، الأمر الذي بطأ سرعة دوران رأس المال العامل في أي مشروع كان وأطال أمده أكثر من المعتاد.
اليوم إذا سألت أي فلاح أو مربي دواجن أو أبقار، أو حتى مربي نحل، ستسمع دائماً شكوى من عدم القدرة على تلبية كامل احتياجات المشروع، نتيجة ارتفاع أسعار المواد اللازمة من محروقات ومبيدات وأدوية بيطرية وأسمدة وغيرها، وكذلك شكوى من ضعف التسويق وتراجع حجم المبيعات، ما يعني انتفاء الجدوى الاقتصادية والوقوع في خسائر بدلاً من تحقيق الأرباح..!!
فتغير سعر الصرف كان يلعب دوراً في تصفير كل ما يجنيه صاحب المشروع من أرباح، لأن تلك الأرباح تعود لتدخل في رأس المال العامل بسبب تغير سعر الصرف وارتفاع الأسعار، الأمر الذي يعني تآكل رأس المال العامل مع مرور الوقت وهذا ما حصل للكثيرين من أصحاب تلك المشروعات ما أدى إلى خروجهم عن العمل وتوقف مشروعاتهم بعد تكبدهم لخسائر كبيرة.
حالياً يتجدد الحديث عن حوار واسع أطلقته وزارة الاقتصاد، انبثق عنه إعداد دليل تعريف المشروعات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، ويجري التأكيد على أن هذا الدليل هو “ثمرة” مجموعة من ورش العمل التخصصية التي ضمت طيفاً واسعاً من الجهات الحكومية وغير الحكومية التي ناقشت مجموعة من المحاور وكان أولها محور تعريف تلك المشروعات والذي على أساسه سيتم تصنيفها بناء على معايير وحدود متفق عليها.
يعني عدنا لنسمع كلاماً عاماً ومنمقاً تم فيه الاتكاء على عنوان عريض ومهم وهو “المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر”، لكن هذه المرة لإعداد دليل لتعريف تلك المشروعات..!!
جهود كبيرة بذلت وورش عمل واجتماعات وجهات حكومية وغير حكومية اجتمعت وناقشت للخروج بتعريف، وهل يحتاج الأمر إلى تعريف وتصنيف ومعايير لنقول ما هي المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر؟؟
ألم تكن تلك المشروعات قائمة.. وتنتج وتعمل بشكل طبيعي في المجتمعات الريفية والصغيرة، وتؤمن دخولاً لأصحابها من دون أن يكون هناك تعريف وتصنيف وغيرها، كان ذلك عندما كانت الإمكانات متوافرة وتكاليف الإنتاج مقبولة وبمتناول أي راغب في إنشاء مشروع متناهي الصغر.
وهل يحتاج النهوض بتلك المشروعات إلى بناء استراتيجيات ترمي إلى تنمية المشروعات المستهدفة وتنفيذها بالاعتماد على خطط وبرامج متمايزة قطاعياً على أساس النوع والحجم ومتكاملة مع الخطط والبرامج الموجهة نحو تلبية الأولويات الوطنية..؟؟
هو كلام كبير ضاعت فيه ملامح الاهتمام بالمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، التي قد لا تحتاج إلى كل هذا التنميق والتدبيج من مثل “استراتيجيات” “برامج وخطط متمايزة”، “إحصائيات كمية ونوعية”، “تبادل معلومات”، “رؤى متكاملة” “تطوير بيئة الأعمال”.

وهنا نسأل.. هل فعلاً ذلك الدليل التعريفي هو أكثر ما تحتاجه المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر لتنهض وتنمو، وما الفائدة من نشر الإحصائيات الكمية والنوعية والخطط والبرامج الموجهة وتطوير بيئة الأعمال، طالما أن تلك المشروعات كانت قائمة بشكل عفوي وتنتج وتعمل وبعيداً عن كل هذا التنظير الاقتصادي، واليوم خرجت نسبة كبيرة منها من سوق العمل وتوقفت نتيجة افتقار أصحابها إلى تأمين التكاليف اللازمة، بعد أن تعرضت مشروعاتهم لخسارات كبيرة نتيجة ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج.
إذاً المشكلة في عدم قيام وتطور المشروعات الصغيرة لا تحل بوضع تعريف لها، ولا في تصنيفها بحسب الحجم والنوع ولا برسم استراتيجيات على الورق، ولا بأي من تلك البنود التي خرجت بها ورش عمل تخصصية كما قيل، إن حل المشكلة يحتاج إلى علاج على مستوى الاقتصاد الكلي أولاً لجهة إعادة ضبط، والحد من الاحتكارات الكبيرة التي أرهقت كاهل الجميع بمن فيهم المنتج والمستهلك على حد سواء، ومراقبة تغير الأسعار، والسعي لتحقيق توازن في سعر الصرف، وترك المشروعات الصغيرة تعمل دون فرض أية قيود أو شروط إدارية أو غيرها، وتقديم تسهيلات في التمويل والتسويق والنقل، وبعدها يمكننا الحديث عن تنمية محلية للمجتمعات الفقيرة، ونشر ثقافة العمل الخاص على نطاق واسع، وتحفيز إقامة المشروعات المتناهية الصغر وتعزيز نجاحاتها.

آخر الأخبار
المستقبل يصنعه من يجرؤ على التغيير .. هل تقدر الحكومة على تلبية تطلعات المواطن؟ الخارجية تُشيد بقرار إعادة عضوية سوريا لـ "الاتحاد من أجل المتوسط" فرق تطوعية ومبادرات فردية وحملة "نساء لأجل الأرض" إلى جانب رجال الدفاع المدني 1750 طناً كمية القمح المورد لفرع إكثارالبذار في دير الزور.. العملية مستمرة الأدوية المهربة تنافس الوطنية بطرطوس ومعظمها مجهولة المصدر!.  السيطرة الكاملة على حريق "شير صحاب" رغم الألغام ومخلفات الحرب    بين النار والتضاريس... رجال الدفاع المدني يخوضون معركتهم بصمت وقلوبهم على الغابة    تيزيني: غرف الصناعة والتجارة والزراعة والسياحة كانت تعمل كصناديق بريد      تعزيز التعاون في تأهيل السائقين مع الإمارات بورشة عمل افتراضية     الإبداع السوري .. في"فعالية أمل" ريف اللاذقية الشمالي يشتعل مجدداً وسط صعوبات متزايدة وزير الطاقة: معرض سوريا الدولي للبترول منصة لتعزيز التعاون وتبادل الرؤى بطولات الدفاع المدني .. نضال لا يعرف التراجع في وجه الكوارث والنيران  وزير الطاقة يفتتح "سيربترو 2025"  وزير الطوارئ يتفقد مواقع الحرائق ويشيد بجهود الفرق الميدانية   500 سلة إغاثية لمتضرري الحرائق باللاذقية  السويداء على فوهة البندقية.. سلاح بلا رقيب ومجتمع في خطر  دمشق وأبو ظبي  .. مسار ناضج من التعاون الثنائي الحرائق تتمدد نحو محمية غابات الفرنلق.. وفرق الإطفاء تبذل جهوداً جبارة لإخمادها امتحانات البكالوريا بين فخ التوقعات والاجتهاد الحقيقي